اخبار البلد -
يحتفل العالم في العاشر من شهر كانون الأول باليوم العالمي لحقوق الإنسان وهو اليوم الذي شهد اقرار الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، هذه الوثيقة الدولية التي لا تحمل في طبيعتها صفة الإلزام القانوني بوصفها مجرد اعلان لا ينطوي على آليات للرقابة والتنفيذ ولا تخضع لمصادقة الدول، إلا أنّ قيمتها تكمن في أنها شكلت أول تقنين لحقوق الإنسان وانتقلت بها من الاطار الوطني البحت إلى الاطار الدولي.
في حضرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي اطار مراجعة حالة حقوق الإنسان خاصة في ظل ما يشهده العالم من جائحة كورونا التي ما تزال تجتاح العالم بمسميات وصور متعددة، لا بدّ من وقفة عند مجموعة من المعطيات خاصة وان الاحتفال بهذا اليوم جاء هذا العام تحت عنوان»المساواة- الحدّ من التفاوتات والدفع قدما لإعمال حقوق الانسان»:
أولًا: كشفت جائحة كورونا عن اختلالات بنيوية في عملية الاستجابة المنصفة والعادلة للفئات جميعها؛ وأن قدرة الأفراد على الوصول إلى الحقوق تتسم بالهشاشة في العديد من الحالات، وتنطوي على إشكاليات جوهرية أبرزها التمييز وضعف البنية التحتية وغيرها، وقد كانت أزمة وباء كورونا كاشفة لها فقط لا منشئة. هذا التفاوت وهذه الاختلالات لم تقتصر على الدول في اطارها الوطني بل كشفت الأزمة عن عمق التفاوت والخلل بين دول العالم، والمثال الأبرز والأكثر وضوحًا تمثل في العدالة الغائبة في وصول المطاعيم إلى دول العالم كافة وبالسوية ذاتها وهو الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في عودة فيروس كورونا وانتشاره.
ثانيًا: إنّ الحقوق بصورتها العامة المجردة تبقى حقوقًا على قائمة الانتظار ما لم تترافق بمبدأ مهم كرسته المعايير الدولية لحقوق الإنسان ألا وهو مبدأ امكانية الوصول، والذي يعبر عن قدرة الأفراد على التمتع بحقوق الإنسان بصورة فعلية، فلا يكون التغني بها شكليًا، وإنما يكون السعي نحو ممارستها هدفًا للسلطات المعنية بكفالة حقوق الانسان وإيمانًا مطلقًا بأنّ الوصول يجب أن يكون للأفراد جميعًا دون استثناء.
في اطار جائحة كورونا كان التعليم عن بُعد وفي العديد من الدول المثال الأبرز الذي يطرح اشكالية الوصول إلى الحق، وقدرة الأفراد على التمتع به بالسوية ذاتها؛ فغياب القدرة على الوصول الى هذا الحق بسبب غياب التقنيات والأدوات اللازمة لدى العديد من الأفراد كرس حالة من عدم المساواة وأدى إلى نتائج اجتماعية وتفاوت في المعرفة والمهارات المكتسبة لأفراد تماثلت مراكزهم القانونية.
ثالثا: بعد مرور هذه السنوات الطوال على اقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان كشفت جائحة كورونا عن وجود غياب واضح لسياسات عامة في القطاع الخاص في غالبية دول العالم تقوم على نهج حقوق الإنسان، يلعب من خلاله هذا القطاع دورًا أساسيًا في حماية هذه الحقوق وتعزيزها والاضطلاع بدور مفصلي في اطار المسؤولية المجتمعية التي يتوجب أن تكون ثقافةً قائمةً ومنهج عمل؛ فخلال الجائحة كان قطاع الأعمال من أبرز الفاعلين في ممارسة انتهاكات وتجاوزات لمبادئ وقيم حقوق الإنسان.
نحتفل هذا العام بيوم حقوق الإنسان وبإعلانه العالميّ كما احتفلنا به العام السابق ايضا وقد عانت البشرية من وباء عالمي عمّ أرجاء الكرة الأرضية، وباءٌ وضع قيم حقوق الإنسان وعالميتها على المحك. نحتفل به وقد ادرك العالم في قرارة نفسه أن حقوق الانسان وما تنطوي عليه من تسامح وتعاضد وتعاون هي السبيل نحو تجاوز الازمات الانسانية، هذا الادراك الذي لم ينعكس في الواقع العملي فكانت النتيجة أن شهدنا انتكاسات متتالية في هذا المجال.