الملحّن بعد أن يمنح نفسه لقب موسيقار، يصبح أيّ لحن عادي يخرج من أوتاره عبقرياً. الحديث يتعذّر مع المخرج السينمائيّ صاحب ثلاثة أفلام مصابة بتشوه في الاقتباس، إلا عقب مروره المتخيل من السجادة الحمراء. الشاعر، أيّ شاعر، هو الأشعر، والأكبر، والأوحد، وقصيدته أكثر فائدة من اختراع الكهرباء. الروائيّ يكتب روايته الأولى مع أحلامه بنوبل، وشريط "الأكثر مبيعاً”، والرقم الثالث في قائمة "تايم”.. هل انتهت أحلامه؟، لا، فقد أوصى بأن يكتب على شاهد قبره "هنا يرقد عبقريّ العبقريات”.
وهنا، أي من المِلح إلى المِلح، لا يمكن الاكتفاء بوصف صاحب أيّ إنجاز، ولو كان كتابة قصة قصيرة أو صناعة حفارة الكوسا، بأنه مبدع، أو ماهر، فهذه ألقاب خفيفة الوقع، قليلة الأحرف، ولا تُجهد عملية النطق، كما أنها لا تحتاج إلى إسناد من الذراعين لإضافة رهبة إلى اللفظ. لن تجد، هنا أيضاً، راضياً مرضياً، فإن قلت للأستاذ، أستاذاً، فقد انتقصت نصف قيمته العلمية، وإن ناديته دكتوراً، فقد ابتلعت نصف وجاهته الأكاديمية. خاطبه يا "بروفيسور” وانتظر منه ابتسامة "آينشتاين”!
كلّ أم ترى في ابنها الذي في السنة الثالثة علامات النبوغ التي ستؤهله في السنة التاسعة على دخول الثانوية من بابها العلمي، وكلّ أب يعتقد أن ابنته باستطاعتها الفوز في أولمبياد علوم الفيزياء لو توفرت لها تذاكر السفر. نساء الحيّ متأكدات أن أبناءهن مؤهلون لرئاسة الاتحاد الدوليّ للشطرنج، ورجال المدينة يشكون ضيق مساحة المدينة على رؤوس أبنائهم المحشوة بعلامات الذكاء. لن تجد في هذه البلاد من يعترف أنه من سلالة متوسطة الذكاء، تشتهر بالضحك.
هدف عبقري، ومدرب داهية، وفريق لا يُقهر، رغم أننا نخرج كلّ مرة من كأس العالم بفضيحة أو بهدف الشرف. مكانة مرموقة، والصدارة تليق بنا، الأكثر، والأكبر، الأحلى، والأول، وما يتسع الخبر الصحفي المكتوب على طريقة "من يشهد للعروسة.. أمها وخالتها وعشرة من حارتها”. من سيخبرنا أننا في ذيل القوائم، ولا نتصدرّها إلاّ في القمع والمنع، من سيكتب لنا الحقيقة المالحة إن كنا أمة لا تقرأ سوى الطالع وأخبار المغنية الهاربة من ملابسها.