يعرف الأردنيون أن ثمة تيارا انعزاليا وانفصاليا مقيتا كان دائما يتكاثر على هامش الحياة السياسية والشعبية في الأردن، ولم يكن مؤثرا يوما بسبب غياب الترويج الإعلامي له، لكنه الآن أصبح يتحرك بيننا بعد أن انسل داخل التيار الشعبي العام، مستفيدا من وسائل التواصل الاجتماعي.
وبشكل أو بآخر، فقد شجعت الحكومات هذا التيار على الظهور، لأنها كانت على قناعة كاملة بقدرتها على ضبط إيقاعه والتحكم به واستثماره في مواجهة الخصوم، وبأنها تعرف تماما في أي صندوق توجد التفاحة العفنة.
بالنسبة لي أجد هذا التيار مصلحيا يستغل العامة في مداعبة مشاعرهم من أجل تحقيق طموحات فردية وذاتية.
كانت "الهوية الوطنية" بالنسبة لي متجسدة في تفاصيل كثيرة، بعضها ربما يكون بسيطا وسطحيا، لكنه بالنسبة لي يجمع ويشكل "هوية" قابلة للحياة، وقد تكون الأمثلة هي خير توضيح لهذا التنظير الممل.
نتفق على أن الشهيد وصفي التل "هوية جامعة"، ومعركة الكرامة، ومعارك القدس واللطرون والسموع وغيرها من البطولات "هوية جامعة"، والشهيد معاذ الكساسبة "هوية جامعة"، الشهداء والبطولة "هوية جامعة"، القدس "هوية جامعة"، الجيش العربي "هوية جامعة".
حتى الكثير من الأمور البسيطة التي مرت في حياتنا "هوية جامعة"، المنتخبات الوطنية "هوية جامعة" رغم قلة انجازات بعضها، أبطالنا الأولمبيين "هوية جامعة"، منتخب الشباب الكروي "هوية جامعة"، مسلسلات: العلم نور، حارة أبو عواد، التغريبة الفلسطينية، أم الكروم، غريسا، الرسوم المتحركة المدبلجة، المناهل، وغيرها، "هوية جامعة".
المعلمون والأطباء والمهندسون والتقنيون وصناع الصحافة والإعلام والأدب وغيرهم الذين انتشروا في أرجاء الخليج العربي والعالم ليبنوا مع أشقائهم مجتمعات مدنية حديثة وعصرية، هؤلاء وغيرهم "هوية جامعة".
الفلاح والمزارع والراعي والموظف والعسكري والعامل والتاجر والسائق، وغيرهم الذين يخلصون في عملهم "هوية جامعة".
أي منجز وطني مهما كان بسيطا ومحدود الأثر "هوية جامعة".
الحكومات وأصحاب المصالح الذاتية والنخب وصالونات عمان السياسية هي التي أوجدت مشكلة "الهوية"، لأنها تريد إبقائنا في غيبوبة، تريد إغراقنا في النقاش والجدال والتنمر على بعضنا البعض، وأن نبقى نركض وراء رغيف الخبز والفتات الذي تلقيه لنا.
هم من قال عنهم الشهيد غسان كنفاني: "يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم، يا لوقاحتهم!".
يجلدوننا صباح مساء بأننا شعب متذمر وغير مسؤول ومبذر ومستهتر ولا يريد إصلاح نفسه، وحين يريدون أصواتنا أو رضانا يبنون بيوت الضيافة لاستقبالنا ومخاطبتنا بـ" أعزائنا المواطنين"، لسنا أعزاءكم أبدا.
بالنسبة لي، الأردن هو وطن الأردنيين الذي يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات.
وبالنسبة لفقاعة الكلام الذين يتعمدون إثارة النقاش الذي لا يعول عليه، يجب أن تسقط قطعة دومينو واحدة فقط حتى ينهار الهيكل، هيكلكم المزيف من أجل إخراج العربة من الوحل.
لا أعرف من قال: "قد يصبح السيئ جيدا عندما يكون في مواجهة الأسوأ". في الحالتين، نحن نعرف أين هي التفاحة العفنة.