هذا أولاً.. فيما يستعيد المُتابع خاصةً بعد انتهاء مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا, ما كان قاله الرئيس التركي أردوغان بأنّه لن يُشارك شخصياً في المؤتمر المذكور.. لأنّ «اليونان ودولة الصهاينة ستشاركان فيه»، ما لفت الأنظار واستدعى التساؤل عن السبب الذي يدعو الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا, المانيا وإيطاليا) التي دعت للمؤتمر إضافة إلى الأمين العام للأمم المتّحدة وخصوصاً رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي الليبي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، الليبي عبد الحميد الدبيبة إلى توجيه دعوة كهذه لتلّ أبيب؟..?ما بدا في النهاية وكأنّه «مُناورة» من أردوغان للتملّص من حضور مؤتمر باريس، يدرك الزعيم التركي في قرارة نفسه أنّه مُستُهدَف شخصياً, خاصةً أن تركيا هي الدولة الوحيدة في الحضور التي يتواجد «جيشها» في ليبيا, دعماً لتشكيلات وميليشيات إسلاموية تتخذّ من طرابلس العاصمة مقراً لها, مقابل سيطرة الجنرال خليفة حفتر على بنغازي والشرق الليبي في معظمه.
إسرائيل إذاً لم تحضر وإن كانت مصالحها ودورها حاضران في خلفية المشهد, وفي أذهان كثير من الحضور الذين يرون فيها عاملاً مُساعداً وربما جوهرياً, في تعديل موازين القوى لصالح أطراف ليبية لم يضمَن معظمها حتّى الآن عاصمة أوروبية أو إقليمية شرقية وازنة لحسم موقعه في رئاسة دولة ليبيا (هذا هو اسمها الرسمي الآن), أو الفوز بأغلبية برلمانية تسمح له بترؤس حكومة ائتلافية ذات صلاحيات واسعة كون الرئيس الليبي المُقبِل (إن جرتْ الانتخابات وتمّ انتخابه) سيكون دوره بروتوكولياً.
عودة إلى البيان الختامي لمؤتمر باريس حول ليبيا؟ تميّز البيان العتيد الذي شارك فيه عدد كبير جداً كاد يصل إلى «30» وفداً, بين منظمات إقليمية وأخرى دولية وخصوصاً دول غربية/أوروبية وأميركية وعربية وإفريقية.. بالعمومية والإطالة التي كان يمكن اختزالها, بعيداً عن الديباجة اللغوية المُطولة التي يبدو أنّها كانت مقصودة للتغطية على الفشل الذي حصدته الرئاسة الفرنسية بغياب معظم رؤساء الدول المدعوة, والتي يبدو أنّ الرئيس الفرنسي ماكرون أراد من خلال هذه «التظاهرة» السياسية والدبلوماسية توظيفها في معركته الرئاسية الوشيكة, حيث تبدو حظوظه في التجديد لنفسه «دورة ثانية» غي? مضمونة, في ظلّ استطلاعات الرأي التي تتحدث عن أنّه ما يزال يتساءل هو وفريقه السياسي الانتخابي عمّن سيكون خصمه «الأول", في معركة يكثر فيها المرشّحون للدورة الأولى, التي يتم فيها تشتيت الأصوات وتفكك المعسكرات الحزبية, في اليسار كما في اليمين. ما بالك مع صعود أسهم الكاتب والمرشّح اليهودي العنصري «المُحتمل» إريك زمّور, المعادي للإسلام والذي يفضّل النازية على الإسلام ويسعى لإحياء قانون قديم, يحظر على أيّ فرنسي تسمية ابنه باسم «محمد»، إضافة بالطبع إلى اليمينية العنصرية الفاشية مارين لوبن.
والحال... ثمّة شكوك جدية تُواجه الاستحقاق الانتخابي الليبي، ليس فقط في ما سرّبته واشنطن بأنّها تفضّل أن تجري الانتخابات البرلمانية أولاً ثمّ لاحقاً تتمّ الرئاسية، بل وأيضاً لأنّ معظم الذي التقوا في مؤتمر باريس ينقسمون في دعمهم للميليشيات الليبية المُتناحرة, ناهيك عن الخلافات داخل كلّ «معسكر» من هؤلاء، سواء كانوا من جماعة الجنرال حفتر أم خصوصاً من جماعة طرابلس والثنائي المنفي/الدبيبة, حيث الأخير زار أنقرة قبيل ذهابه لباريس فيما المنفيّ «جمّد» دور وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش, بينما أعلن الدبيبة دعمه لها.. ز?د على ذلك الفترة القصيرة التي تفصلنا عن 24/12/2021, حيث يصعب التأكّد بأنّ الفرصة مُتاحة لتأمين حدّ أدنى من الجدّية والأمن والنزاهة... لإجرائها.