بلغت الخروقات الإسرائيلية المتلاحقة، الزبى وحدّا لا يطاق, وشملت جميع أنحاء المنطقة العربية التي رسم حدودها سايكس بيكو. وما زال الأحرار المناضلون في هذه المنطقة يذودون عن حقوقهم ويتمسكون بعقاراتهم وبأراضيهم ويعضون بأسنانهم على وجودهم في زمن غدت الخيانة فيه شرفا والنضال إرهابا. وتخلى الشرق والغرب والعائلة العربية عن الأسرة الفلسطينية ومكوناتها ووجودها بل قدمتها على مذبح الصهيونية كبش فداء. وقد طالت الموبقات الإسرائيلية كل أمر رفيع من وطن لحق تقرير المصير لبيت لأبناء ولم يسلم حتى الشرف الرفيع من هذه الموبقات الإسرائيلية. وكان آخرها استعمال التجسس الإلكتروني بواسطة بيغاسوس على أجهزة رفيعي وزارة الخارجية الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطيني الست.
واعتقدنا بسذاجة أو ببلاهة أن القانون الدولي سيحمينا من هذه الموبقات الإسرائيلية، فالتجأنا إليه دون معرفة خفاياه وأسراره، وأهملنا ما عداه من وسائل النضال، فكانت تلك طامة أخرى للوحل الذي انزلقنا إليه. فقبلنا قرار 194 لحق اللاجئين في العودة والتعويض، وخلقوا لنا وكالة غوث تساعدنا ولا تحمينا من عسف الغير، وبقينا ننتظر تنفيذه على الأرض العربية ، وجلسنا أكثر من سبعة عقود زمنية على رصيف الأمم المتحدة، علّ المجتمع الدولي والأمم المتحدة يجود عاينا بكرم التنفيذ دون جدوى، وضاع الزمن وخلقت حقائق على الأرض الفلسطينية يصعب إزالتها.
فلجأنا إلى الجامعة العربية ودولها الست آنذاك التي لاحقتنا ونظرت إلينا شزرا، وحظرت إقامتنا حماية لحق عودتنا لفلسطيننا السليبة ، وما لبثت تلك الفكرة الإنجليزية – هكذا سموها – أن تضخمت تضخما سرطانيا فغدت ثلاثة وعشرين دولة أو فتفاءلنا خيرا ، ولكنها لم تكن تملك من أمرها ولا من سيادتها قيد أنملة ولا حبة خردل. ولم تقدم تلك الجامعة سوى بطانية أو علبة سردين ووعودا جوفاء مخادعة مضللة بالعودة الميمونة.
ولم يشبع نهم الإسرائيليين عام 1967 سوى احتلال كل فلسطين التاريخية ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء. فتدخل المجتمع الدولي من خلال ما يسمى مجلس الأمن بالأمم المتحدة وقراره التعيس الذي حمل الرقم 242 مؤثرا التخدير على الحل الحقيقي . قرار في صورة توصية صدر بعد العدوان الإسرائيلي بخمسة أشهر ونصف من عدوان حزيران/ يونية 1967 وأعده – يا للمهزلة – حاكم نابلس البريطاني عام 1936 المدعو اللورد كارادون. واستسلمنا لهذا القرار الذي لم يذكر الفلسطينيين بكلمة واحدة، وتجرعنا سمومه وغموضه، وما زلنا نصلي في محرابه ونبتهل إلى العلي القدير تنفيذه رغم مرور أكثر من خمسة عقود زمنية عليه دون تنفيذ، وما زلنا نأمل أن يرسل إلينا قائد كصلاح الدين ليحررنا من ربقة الإحتلال وكأننا في زمن المعجزات، في وقت كان علينا أن نبحث عن وسائل فعالة للنضال وجمع قوتنا للحصول على السلام العادل.
رغم كل الزخم الأممي والتعاضد الدولي من دول عدم الإنحياز، والقرارات المتعاقبة لكل أجهزة الأمم المتحدة لتأييد الحق الفلسطيني ، كانت الجرافات الإسرائيلية تزرع المستعمرات في الضفة الغربية وتنقل الإسرائيليين وتسكنهم في تلك المستعمرات وتخلق وقائع على الأرض الفلسطينية المحتلة دونما حسيب أو ملاحق. وتضرب عرض الحائط بالفقرة السادسة من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة ومن ميثاق روما لعام 1998.
غريب أمر هذه الدولة المارقة الخارقة للقوانين الدولية بدءا من ميثاق الأمم المتحدة، مرورا بميثاق جنيف الرابع وبروتوكول 1977، وانتهاء بميثاق روما لعام 1998 واختصاص المحكمة الجنائية الدولية. من يحاسبها على جرائم الحرب التي ترتكبها والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان والإبادة التي غدت نهجا لها. بعد الحرب العالمية الثانية قامت محكمة نورمبورغ لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين عملا بميثاق لندن، وفي الشرق الأقصى قامت محاكمات طوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين. ومن سخريات القدر أنه لم تقم محاكمة لمن ضرب ناغازاكي وهيروشيما بالقنابل الذرية وقتل مئات الآلاف من المدنيين اليابانيين الأبرياء ومن مارس التعذيب في أبو غريب بالعراق.
ويبدو أن المدعي العام الجديد للمحكمة الجنائية الدولية متثاقل في خطواته ولا يرغب في ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
وتخيلنا أن الدول التي صادقت على العهود والمعاهدات التي انضممنا إليها ستبادر وتحاسب إسرائيل عن موبقاتها بحق الشعب الفلسطيني وإلا عرضت نفسها للعقوبات الدولية كما تعرضت العراق للعقوبات هذه. أين مجموعة الدول التي صادقت على اتفاقيات جنيف الأربع والتزامها الصريح بموجب المادة الأولى منها باحترام وضمان احترام هذه الإتفاقيات في جميع الأحوال وإسرائيل عضو في هذه الإتفاقيات. أين التزام الدول التي وقعت وصادقت على ميثاقي حقوق الإنسان لعام 1966 المختصة بالحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وميثاق منع التعذيب تجاه عضو صادق على هذه الإتفاقيات التي هي إسرائيل. يبدو أن الإلتزامات الدولية حينما يصل الدولة العبرية يتجمد ويجف مداده.
للأسف لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تمارس دور المحاسب والمراقب للجرائم الإسرائيلية في الأراضي المحتلة فهي بمثابة الشريك المتواطىء مع إسرائيل في تسليحها وفي ضم القدس العربية رغم قرار 181 بتدويلها وخلق طابع خاص لها، وفي السكوت عن المستعمرات رغم قرار مجلس الأمن 2334 الرافض لها، ورغم قرارات مجلس حقوق الإنسان في جنيف، ورفض قرارات اليونسكو بالتنقيب عن الآثار وتغيير معالم مدينتي القدس والخليل. أما الأوروبيون فهم لا يملكون من أمرهم شيئا ويفتقدون لهذا الدور الحيوي الهام، سوى أنهم يقدمون بعض المساعدات المالية على استحياء للسلطة الفلسطينية ولم يستخدموا محكمتهم لمحاسبة الإسرائيليين. وكان من المفترض أن تقوم الدول العربية بهذا الدور، لكنها ضالعة بالخيانة لقوميتها ودينها، بل هي اسوا من غيرها حيث وجدت في إسرائيل حليفا لها ضد الثورة الإيرانية ونفضت يدها من القضية الفلسطينية ومن المسجد القصى وقبة الصخرة.
أما دول عدم الإنحياز فقد انفرط عقدها ولم يعد لها سوى الاسم وكذلك الإتحاد الأفريقي والمؤتمر الإسلامي. وللاسف يبدو أن الدور الروسي غائب واهتمامه منصب بقضاياه وشؤونه الداخلية ويرى في الصهيونية شريكا أكثر من الفلسطينيين.
سدّت السبل لكن لا مكان للياس، فقد حاولت الصهيونية التي خبت جذوتها أن تخضع الفلسطينيين لحلولها، لكن دون جدوى. فما دام هناك شعب فلسطيني يناضل ويضحي ويرفع راية النضال رغم محدودية أدواته ، وما دامت هناك إرادة فلسطينية فتية، سياتي يوم يتم فيه الحساب وتتحقق أمانيه فلا ننخدع بالمظاهر الزائفة ، فليس لنا غير هذا الوطن ومنزرعون فيه كشجر الزيتون ، فقطرات الماء القليلة وحبات الرمل الضئيلة تصنع الأوقيانوس الجبار واليابسة الدمثة !!!
سدّت السبل لكن لا مكان للياس، فقد حاولت الصهيونية التي خبت جذوتها أن تخضع الفلسطينيين لحلولها، لكن دون جدوى. فما دام هناك شعب فلسطيني يناضل ويضحي ويرفع راية النضال رغم محدودية أدواته ، وما دامت هناك إرادة فلسطينية فتية، سياتي يوم يتم فيه الحساب وتتحقق أمانيه فلا ننخدع بالمظاهر الزائفة ، فليس لنا غير هذا الوطن ومنزرعون فيه كشجر الزيتون ، فقطرات الماء القليلة وحبات الرمل الضئيلة تصنع الأوقيانوس الجبار واليابسة الدمثة !!!