وبصرف النّظر عمّا يمكن للفرِحين/الشامتين بسقوط نظام القذافي, وما قد يجدونه في هذا التقرير من مُبررات يرفع منسوب التبريرات لسقوط هذا النظام, الذي لا يمكن لأحد أن يُعفيه وبخاصة «قائده» مما آلت إليه أحوال ليبيا والليبيين, في عهده كما من بعدِه من فقر وخراب وانعدام للحريات وقمع وانهيار في البنى التحتية والخدمات وتواضع الإنجازات (إن كان ثمّة ما يُعتدّه به في هذا الشأن), إلا أنه في الآن ذاته يصعب اعتبار السنوات الـ"11» التي مرّت على ثورة مزعومة, أنّها عادت بـ"المنّ والسلوى» على الليبيين الذين باتت أكثرية فيهم «تترحّم» على عهد القذافي، ليس في أنّه «أنموذج» بل أقلّه فيما وفّرَه من «أمن» حتّى لو كان نسبياً، ما بالك الحفاظ على مؤسسات دولة وإن «إفتراصيّة», كان الأخ العقيد يصفها بـِ"الجماهيرية»، رغم أنّها بلا جمهور وازن أو هياكل مُؤسسية.
هذا كلّه -نقصد المصير البائس الذي آلت إليه غواصات الأخ العقيد- يستدعي السؤال الأكثر أهمية، والذي لا يُسأل فيه نظام القذافي بل معظم الأنظمة في العالم الثالث وفي المقدمة منه العالم العربي، المهووس والمهجوس باقتناء المزيد من الأسلحة كالطائرات الحربية والغواصات والدبابات والرادارات ومنظومات الصواريخ المضادّة للطائرات, التي وأن بدا للبعض أنّها عصرية ومن أجيال متقدمة كالجيل الرابع والخامس الذي يتوفّر عليها المُجمّع الصناعي العسكري في الغرب الاستعماري (تستحوذ أميركا على 37% من سوق بيع/تصدير الأسلحة، فيما تتوزع النسبة الباقية على الدول الأخرى، وهي: روسيا 20% فرنسا 8% ألمانيا 5.5% الصين 5.2% فيما تحتلّ دولة العدوّ الصهيوني المرتبة السادسة، إذا لديها ألفا شركة تعمل في بيع السلاح، وفق معهد «سيبري» السويدي الذي يتابع عن كثب صادرات كهذه).
لا نقصد القول إنّ على العرب تحديداً ألّا يشتروا الأسلحة, بل كلّ ما نهدِفه هو التأشير والإضاءة على أولوية التسلّح لدى معظم دول العالم, على ما عداها من أولويات تنموية واقتصادية وخدماتية، معيشية وتربوية، خاصة أنّ هناك من زفّ إلينا بل «بشّرنا» عندما دشّنِ مسيرة التطبيع/والاعتراف بإسرائيل قبل 44 عاماً (أنور السادات في العام 1977) وكيف أنّ السيوف ستتحول إلى محاريث, وأنّ الإنفاق العسكري الضخم سيتمّ تحويله إلى مشروعات تنموية وفرص عمل وازدهار سيشمل كلّ المصريين، ويفيض عن حاجتهم إلى باقي العرب, الذين «يعيشون» في الماضي والأفكار القديمة ولا ينتمون إلى ثقافة العصر الحديث، وفوائد السلام والحوار مع الآخر, وغيرها من الترهات التي تعشعش في عقول وصدور هؤلاء.
فإذا بالإنفاق العسكري يزداد بوتائر مُتصاعدة, وإذا بموجات التطبيع والهرولة تتضاعف, وإذا بالعدو الصهيوني يزداد وحشية وغطرسة وعنصرية واستعلاء, حتى بات لا يرى في بلاد العرب سوى أسواقاً لتصدير بضائعه وميادين اختبار لأسلحته والترويج لتطبيقات آخر مبتكراته التكنولوجية.