وإذا كانت محاولات تلميع جعجع وإظهاره بمظهر » الرمز"/والزعيم القوي لمسيحيي لبنان، تتكئ على تبرير متهافت بأنّ استدعاءه إنّما يندرج في إطار الإستهداف السياسي, بل واستهداف المسيحيين أنفسهم، فإنّ ما يلفت الانتباه هنا هو زعم أنصاره بأنّ رفضه الاستدعاء إنّما يعكس توجّساً من محاولة اغتياله، ناهيك عن وصفهم «عين الرمانة» التي أقام فيها عناصر حزب جعجع «الكمين» وأردى قنّاصوه سبعة لبنانيين مسالمين, بأنّها/عين الرمانة التي أشعل فاشيو حزب الكتائب البناني وجناحه العسكري «القوات اللبنانية», الحرب الأهلية في العام 1975.. بأ?ّها تُمثّل «قلعة المقاومة والصمود» في استدعاء سافر/ووقِح للحرب الأهلية.
وإذ يصعب صرف النظر عن طبيعة الدور الذي قام ويقوم به جعجع في تسعير الخلافات الداخلية، خاصة في «المعركة» التي يخوضها ضد الحزب المسيحي الأكبر/المنافس ونقصد التيار الوطني الحرّ بزعامة جبران باسيل/صهر الجنرال عون, الذي لا يكنّ له جعجع أيّ ودّ، فإنّه في الآن ذاته وتحديداً منذ انفجار مرفأ بيروت/4 آب 2020، بدأ الاستثمار السياسي/والطائفي في هذا الملف. الذي ما يزال يُلقي بظلاله على المشهد اللبناني, خاصّة ما يقوم به المحقق العدلي طارق البيطار, الذي تتّهمه جهات عديدة سياسية/طائفية/وحزبية بأنّه يقود تحقيقاً مُسيّسًاً/و?ستنسابيا, ولا يراعي أبسط قواعد القانون/والعدالة في استهدافه وزراء/ونواباً من فريق سياسي معين/8 آذار, ما دفع كثيرين إلى طلب إقصائه. لكنّ جعجع مدعوماً من بطريرك الموارنة وقوى أخرى, يرفضون تنحّي/أو إقصاء القاضي المذكور, إلى أن جاءت مجزرة الطيونة التي ارتكبها قنّاصو جعجع, لتضع لبنان أمام استحقاق أكثر خطورة كاد يُفضي إلى حرب أهلية كان جعجع مستعداً لها، لكن تمّ تفويت الفرصة عليه حيث بات في موضع الإتهام, بعدما –وفق تسريبات صحافية- اعترف المقبوض عليهم من أنصاره, أنّه/جعجع هو الذي «أمرهم» تنفيذ مجزرة الطيونة.
ولأنّ لبنان أسير ورهينة «ميثاقه» الذي كبّل شعبه بقسمة طائفية/ومذهبية, لم تفضِ سوى باستيلاد الأزمات والإحتراب الداخلي وشدّ العصبيات والشحن الطائفي/والمذهبي، المفضية إلى تدخّلات خارجية/إقليمية ودولية، فإنّ المظلّة التي وفّرتها وتوفّرها المرجعيات الروحية (ذات الحضور والتأثير), تسمح لقادة أحزاب وميلشيات بالتنمّر وتجاوز القانون والشعور بأنّها غير مشمولة باحترام قواعد اللعبة, على النحو الذي يسمح لجعجع..مُجرم الحرب المدان بأن «يشترِط» على القضاء, بأنّه سيذهب للإدلاء بإفادته عندما يتمّ استدعاء زعيم حزب الله. إلى أ? قال أخيراً في تحدٍ مَكشوف «يلّلي بدّوا يانا..يجي لَعنَّا». ومع ذلك، تجده والمعسكر الذي يسانده يتحدّثون بلا خشية أو خجل عن إلتزامهم الدستور والقانون والدفاع عن سيادة واستقلال القضاء. يُساندهم في ذلك من عاد يغرف من مصطلحات عنصرية وتفوّق طائفة على أخرى، كأن يُكتب في موقع القوات اللبنانية/حزب جعجع: أنّ الأخير دافعَ وحيداً عن لبنان،دافعَ عن الحرية عن الديمقراطية،عن الاختلاف الحضاري عن الآخر من دون إلغائه». أي أنّهم يرون شريحة كبيرة من اللبنانيّين «آخَر»..مُتخلّف حضارياً, فيما هم أحفاد «أنقياء» الفينيقيين, وَ»ه? وحدهم ا أسّسوا لبنان", امّا باقي طوائفه وشرائحه مُجرّد «ضيوف» أو جاليات أجنبية.
هذا هو جوهر الخطاب الانعزالي الذي يحاول استعادة أجواء السبعينات وما قبلها, عندما رأى هؤلاء أنّ «لبنانهم» ليس عربياً وأنّه جزء من العالم الحرّ, وأنّ ما يربطه مع محيطه العربي قليل بل ضئيل، مُقارنة بما يجمعهم مع الغرب. لهذا هم لا يقيمون وزناً لاتفاق «الطائف», الذي حدّد هويّة لبنان العربي كوطن نهائي لأبنائه/وطوائفه مُجتمعة. ولا يرون فيه سوى فصل من فصول تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني لصالح رئيس الحكومة السنّي. فيما يعرف اللبنانيون قبل غيرهم أنّ تحالفات الطبقة السياسية تقوم على المصالح الشخصية والبزنس وال?بائنية, وليس لأسباب طائفية/مذهبية.. وأنّ غالبية «الشعوب"اللبنانية التي تعيش أزمات بُنيوية/بل وجودية مُتدحرجة, في العيش والسكن والخدمات وارتفاع الأسعار وانهيار العملة وتزايد نسب الفقر والبطالة، هي التي تدفع الثمن, فيما يتنافس «الزعماء» على المناصب والعمولات.