منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق/ترمب نيّته سحب قواته من سوريا اوائل العام 2019, واعتباره سوريا مُجرّد «رمل وموت وليس ثروات كبيرة», مُتعهداً في الوقت نفسه بـ«حماية» الأكراد حتى مع سحب جيشه, ثم تراجُعه عن قراره بعد حملة انتقادات لاذعة شنّها خصومه في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خاصة استقالة مبعوثه الخاص إلى سوريا ماكغورك احتجاجاً على قرار كهذا, بعد أن كان «ترمب» وَعدَ بأن يتمّ الانسحاب «سريعاً وخلال فترة لا تتعدّى أربعة أشهر».. منذ ذلك الحين وحتى الآن ما يزال السؤال مطروحاً بإلحاح..«هل ينسحب جيش الاحتلال الأميركي من سوريا؟ ومتى يُوقِف عمليات النهب والبلطجة في شمال شرقي سوريا بذريعة محاربة الإرهاب, رغم ان أحداً لا يلحظ حرباً أميركية على الإرهاب، بقدر ما يتكشف يوماً بعد يوم عن تعاون وتنسيق أميركي، رصدته وكالات استخبارات عالمية وأخرى ميدانية مع تنظيم داعش، حيث يواصل الجيش الأميركي من قاعدة التنف نقل المزيد من إرهابيي داعش إلى مناطق شرق الفرات, توظيفاً لهم لتخريب اي محاولة للتقريب بين دمشق وقوات «قسد» الكردية الانفصالية، والتي باتت هي الأخرى (قسد) تلحظ غموضاً في الموقف الأميركي، ليس فقط تجاهها وإنما في مُجمل «الاستراتيجية» الأميركية والخطط الموضوعة تجاه الأزمة السورية. كما يقول بعض قادتها الذين يتوجّسون من خذلان أميركي «جديد».
سؤال..هل ينسحب المحتلّون الأميركيون من سوريا ومتى؟, اكتسب أهمية إضافية بعد الهزيمة الأميركية المدوية في أفغانستان، خصوصاً إعلان وزير الدّفاع الأميركي/لويد أوستن كما أكثر من مسؤول أميركي, أنّ واشنطن «ستستخلص دروس وعبرَ الحرب في أفغانستان»، كذلك وقائع فوضى الانسحاب/الهروب الأميركي من مقبرة الإمبراطوريات..
وإذ لا أحد يعرف ما إذا كانت «الخلاصة» التي سينتهي إليها استراتيجيو البنتاغون ومجلس الأمن القومي الأميركي... ستأخذ في الاعتبار عبثية البقاء العسكري الأميركي في سوريا، بعدما استعادت الدولة السّورية سيطرتها على معظم مساحة البلاد، ولم يتبق سوى جيب إدلب والمنطقة التي تسيطر عليها القوات الانفصالية الكردية بدعم من قوات الاحتلال الأميركي، فإن اللافت هنا هو «النفي» السّريع لقوات التحالف الدولي المزعوم،(حيث لا أحد فيه سوى أميركا).. للأنباء عن إخلاء بعض القواعد العسكرية الأميركية في شمال شرق سوريا، إضافة إلى تأكيد مُتحدث باسم التحالف: أن «القوات الأميركية ستبقى موجودة في سوريا للقيام بمهام محاربة الدّولة الإسلامية, ومتابعة العمليات لزيادة الاستقرار الإقليمي»..
جاء التأكيد المتغطرس هذا والذي لا يخفي مواصلة واشنطن سياستها الرّامية تقسيم سوريا وإعادة رسم خرائط المنطقة وفق أسس عرقية ومذهبية/ طائفية، تزامُناً مع مناورات قتالية شمال شرقي سوريا الأسبوع الماضي، هَدفتْ «التحقّق من كفاءة عمليات أمن المنطقة وتدابير الدّفاع عن النّفس»..
وإذا ما دقّقنا في العبارة الأخير/«تدابير الدفاع عن النفس», فإننا نلحظ خشية أميركية واضحة من ارتفاع منسوب الهجمات على أرتال وقواعد القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا, كما تكرّر مؤخراً، وربطاً بما يحدث في العراق بعد إعلان واشنطن اتفاقها مع بغداد, على سحب قواتها «القتالية» حتّى نهاية العام الحالي, وبقاء بعضها لتدريب القوات العراقية دون القيام بأي مهام قتالية.
وبصرف النّظر عن الانتقادات التركية للدعم الأميركي للقوات الكردية الانفصالية/قوات قسد, فإنّ إصرار واشنطن كما أنقرة على بقاء جيشيهما المُحتلّين للأراضي السورية، يؤكد ضمن أمور أخرى رغبتهما مواصلة تنسيقهما وعملهما بدون كلّل من أجل الاستثمار الجيوسياسي (والاقتصادي بالطبع) في الأزمة السورية، وعدم فقدانهما الأمل بإمكانية إسقاط الدولة السورية سياسياً وخصوصاً عبر العقوبات الاقتصادية (قانون قيصر), وأيضاً من خلال عملية التتريك وربط المناطق السورية الخاضعة للاحتلال التركي بمحافظة هاتاي/لواء إسكندرون, على نحو يُمهّد لاحقاً...إذا ما سمحت الظروف الإقليمية والدولية لضمّها إلى تركيا.
في السطر الأخير.. ليس لدى الأميركيين من أوراق وازنة تسمح لهم بمواصلة البقاء في شمال شرق سوريا، وسيجدون أنفسهم أمام سيناريو أفغاني جديد... إذا ما وعندما تندلع عمليات مُقاومة شعبية ضد وجودهم غير الشرعي في الأراضي السورية.. وهو ما تخشاه تركيا أيضاً.