أخبار البلد ـ ضد تسييس النقابات ، وضد تفريغها من محتواها الوطني الاجتماعي المهني . ولكن وضع النقابات المتراجع والمتآكل في فلسطين منذ مجيء السلطة ، عكس ذاته على سلوكيات اصحاب المهنة ، وبالتحديد المحامين والاطباء والسائقين والصحفيين . وحين كان يرتكب عضو النقابة سلوكا مخلا ، كانت نقابته هي من تتصدى له وتفرض عليه العقوبة الملائمة ، بما في ذلك سحب الترخيص.
حين يصيب الخراب المركز ، فإن المحيط بالضرورة سيطوله الخراب ، تماما كما مع الرأس واطراف الجسد ، على عكس اصابة الطرف ، فإن من شأنه ان يحدث تأثيرا على الدماغ قد يكون ايجابيا ، كخلق حافز جديد يصلّب ارادته لتعويض عجز الطرف . موشي ديان فقد عينه دون ان يفقد إصراره ، طه حسين فقد عينيه دون ان يحل ذلك من ان يصبح عميد الادب العربي دون منازع ، ابو علي اياد فقد ساقه دون ان يمنعه ذلك من أن يواصل النضال حد الاستشهاد ، والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.
في حالة الخراب الفلسطينية ، كان يمكن للنقابات (الاطراف) ان تسهم في اصلاح الخراب ، لو لم يتم شلها بقرار سياسي ، تمثل في منع اجراء انتخاباتها ، لم تبدأ المسألة من عند الانقسام بين حركتي فتح وحماس كما يشاع ، بل قبل ذلك بكثير ، إذ أطلعني عميد احدى الجامعات على كتاب من الرئيس الراحل يطلب فيه عدم اجراء انتخابات اتحاد الطلبة.
فكرة النقابات والعمل النقابي هي فكرة اشتراكية ، لحماية العاملين في هذه المهنة او تلك من جور رب العمل ، ولكن دول الغرب الرأسمالي استهواها هذا النظام المميز واستخدمته على نحو أمضى وافعل مما فعلت الدول التي دارت في محور الاشتراكية.
لا تستقيم النقابات بدون انتخابات ، ولا يجوز للسياسي التدخل في النقابات الا اذا كان عضوا في هيئتها العامة ، كأن يكون مهندسا مثل ابو عمار وبالتالي عضوا في نقابة المهندسين، او طبيبا كجورج حبش وبالتالي عضوا في نقابة الاطباء، أما ان يفرض السياسي على النقابة ان لا تجري انتخاباتها، فهذا عمل ضار و مدان، لان جوهر عمل النقابة اصلا هو ليس السياسة، بل المهنة واصحابها، ولهذا رأينا كيف التحقت النقابات عندنا بجحافل الخراب والخواء والفساد والتطبيل والتزمير ، فيصبح فوز نادية حبش موضوع سياسي يتناوله كل السياسيين في أروقتهم ومطابخهم، كما لو أنه تحرير فلسطين عند المناصرين، او إعاقة تحريرها عند المناهضين، وهو– الفوز-، وبالتالي الاخفاق، شأن هندسي بحت يخص المهندسين والمهندسات البالغ عددهم نحو عشرين ألفا نصفهم فقط مسددين لاشتراكاتهم، وهؤلاء في الغالب يجدوا من يقوم بتسديدها عنهم منذ كانوا طلابا على مقاعد كلية الهندسة عندما كانوا ينتخبون مجلس اتحاد طلبتهم . واذا كان من حق السياسي ان يخشى الانتخابات السياسية ، فيعطلها، فإنه ليس من حقه تأجيل الانتخابات النقابية، لأن هذا من شأنه فتح الطريق امام "العشائرية” التي كانت طريق الخلاص زمن الانسان الاول، و كذلك تعميق صدقية المثل الشعبي "الاسكافي حافي و باب النجار مخلّع” في معناه القيمي والاخلاقي.