عندما يطلع الواحد منا – أعني من العالم الثالث أو الرابع- على نظريات المؤامرة الرائجة أو المستجدة في أميركا وآخرها «مؤامرة» الكورونا، المفَبركة بالكتب والأفلام أو بالإشاعات أو بالإنترنت، يعجب من كثرتها ويندهش من سخافاتها ورواجها في المجتمع الأميركي، الذي يبدو لبقية العالم أنه المجتمع العلمي الأعظم فيه، بجامعاته وبحوثه واختراعاته واكتشافاته، وبما يطور وينتج من تكنولوجيا، وبخاصة الراقية منها. لا يدري هذا الواحد أن الحزب الجمهوري عدو للعلم والعلماء، وانه يعتبر مرض الكورونا مؤامرة ولذلك يتجنب معظم أتباعه التطعيم ضده، ويجري وراء ترامب في ان الرئاسة سرقت منه.
لقد استغل أكبر كذاب ونصاب ودجال في التاريخ الشعب الأميركي الساذج وجعل عشرات الملايين من الأميركيين ينتخبونه وكأنهم كالخاتم في يده، بالحديث معهم باللغة السخيفة نفسها فلا يناقشونه فيها، مع أن العالَم كله شاهد على كذبه ونصبه ودجله.
لا يخطر على بال الواحد منا أنه هو نفسه يؤمن بمثل هذه النظريات والسخافات والخرافات والأساطير واللامنطق واللاعلم المسيطرة على ملايين الأميركيين عندما ترد إليه أو تنشأ بين يديه.
والحقيقة أن نظريات المؤامرة في أميركا بزنس كبير يدر البلايين على أصحابها، ولذلك يستمرون في تحويل كل حبة وبخاصة الاجتماعية والسياسية منها، إلى قبة.
لا تخلط – عزيزي القارئ – بين هؤلاء المفبرِكين لنظريات المؤامرة، وبين كتاب الخيال العلمي الذي تقرأه في الكتب أو تشاهده في الأفلام، فكثير منه يتحقق فيما بعد.
لكن هل يقتصر الغباء الأميركي هذا على المجتمع الأميركي فقط؟ الحق أقول لهذا الواحد من العالم الثالث أو الرابع الذي يتعجب ويندهش من هذا الغباء، إنّ مثله وأسخف منه موجود في مجتمعه، فها نحن نتلقى نظرية المؤامرة السخيفة عن فيروس كوورنا ونروجها، ولا نصدق كذبها إلا عندما نصاب به، وربما ونحن ننازع. إن المجتمع المسلم (العربي وغير العربي) ضحية كبيرة لمثل ما يصدقه الأميركيون، وكثير منه مستل من التراث الخاص بالجن والشياطين… فلا يجرؤ أحد أن ينتقده.
تابع أكاذيب وألاعيب الطب الشعبي والعرافين والفتاحين وقارئي الكف والفنجان والأبراج… تجد أنّ ما تشاهده وتسمعه في كثير من القنوات التلفزيونية والإذاعية يوقف شعر الرأس إذا كنت علمياً أو عقلانياً، وبخاصة لجرأة هؤلاء في الكذب والنصب والاحتيال وقبول الجمهور بما في ذلك كثير من المتعلمين لهم وطلب بضاعتهم عبر عناوين محددة.
هذه الحاجة فاطمة تقول لك: إنها تستطيع ترتيب أقوى العلاقات بين الزوجين المتخاصمين، أو جلب الحبيب الشارد إليك. أما العلاّمة أبو مشعل فيستطيع بالمأكول والمشروب علاج جميع أمراضك. وأمّا محمد الهنائي فيعالج جميع الأسحار والمرشوش والمشروب وإخراج الجن من الجسد، وتحريرك من الشيطان.
وعند آخر توجد منتجات للسعادة، أو مستخلصات من الأعشاب لا آثار جانبية لها تشفيك من جميع الأمراض. ويقول لك آخر: إنه يستطيع شفاءك من جميع الأسحار والمس والحسد والبهاق والصدفية ولجميع الأعمار.
أما الشيخ أحمد التيجاني المغربي فكفيل بعلاج جميع أمراضك الجسمية والنفسية بما في ذلك علاج مرض السكري وضغط الدم المرتفع، وتحويل شعرك الأبيض إلى أسود، فبادر إلى حجز موعد معه أو اطلب بضاعته على رقم كذا وكذا.
أما أبو وضاح المغربي فلديه قوة خارقة للأعمال العلوية والسفلية. لكن زميله أبو عمر يعالج تأخر الزواج، والإنجاب، وفك الربط، وتقريب البعيد. أما أبو عبيدة فيستطيع رد المطلقة خلال يوم واحد أو يومين في الأكثر.
وأم مصطفى حاصلة على الدكتوراه وتعالج جميع حالات المس والسحر والحسد والغيرة والتسلط والصرع، والحفظ من الأعمال الشيطانية.
هذا بعض ما استطعت ملاحقته من قنوات تبث ذلك على مدار الساعة، وإن كان لذلك من معنى فإنه يعني أنه يوجد طلب شديد عليها، وعوائد مالية كبيرة جداً لها.
فقد استمعت أو شاهدت مرة أو صدفة من يدعي أنه طبيب يعرض ادوية عشبية بصورة مدهشة في قناة تلفزيونية لنحو ساعة وهو يصف مختلف الأدوية السحرية لهذه الأدوية للناس، فاتصلت بهاتف الجهة التي روج لها وطلبت الدواء المزعوم للسكري، وقلت لها: اشتريه منكم إذا قدمتم لي كفالة بنكية بحسن التنفيذ، أي برد ثمنه إذا فشل، فأُغلق الهاتف بوجهي.
يبدو أن الحكومات سعيدة بهذا التيار، لأنه يشغل الناس عنها، وللأسف لا تتصدى وزارات الصحة ونقابات الأطباء ووزارات التربية والتعليم والتعليم العالي في البلاد العربية لهذا الدجل الطبي والفكري الفاضح الذي تبثه هذه القنوات والعرافون… ولا تقوم بتحصين عقول الأجيال حيالها.
أرأيتم كيف أننا والمجتمع الأميركي قارئون على شيخ واحد كما يقال. لكن الفرق أنه يوجد في أميركا طرف ثانٍ يواجه ذلك ويعمل على تفكيكه بينما نحن في سبات عميق عنه.
رزق الهبل على المجانين
أخبار البلد - اخبار البلد-