اخبار البلد - استقر الرأي أن المجتمع المدني من جمعيات ومؤسسات غير ربحية، يشكل عنصرا أساسيا وطنيا في مساندة الدولة لتحقيق التنمية المستدامة، ويعتبر التشريع البيئة الأساس في استدامة ونجاعة عمل تلك المؤسسات، وفي هذا الصدد أعلن معالي وزير التنمية الاجتماعية، عن تشكيل لجنة لمراجعة قانون الجمعيات النافذ «وتطويره»، ويأتي هذا التوجه بتعديل القانون في أجواء السنتين السابقتين على وجه الخصوص، بما تضمنته من إجراءات تضييق متتابعة، وحملات «شيطنة المجتمع المدني»، على أكثر من صعيد، وأهمها في أروقة البرلمان، وإعلان تشكيل اللجنة أشار لذلك بشكل غير مباشر عندما ذكر النطاق الذي يستهدفه التعديل وهو «حمايتها من مخاطر غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، والفساد وحوكمتها».
وقبل الدخول في تفاصيل التعديل ومبرراته ونطاقه، فإننا نحتاج وكمتطلب لمراجعة القانون أعلاه، موقفا صريحا ودقيقا للحكومة من المجتمع المدني، الذي يعتبر رديفا لها في تحقيق «الطمأنينة وتكافؤ الفرص لأردنيين» حسب منطوق المادة السادسة من الدستور، وعلى مثل هذا الموقف المعلن تناقش التعديلات المقترحة وتتحدد دستوريتها.
ومن باب المكاشفة نضع أمام معالي الوزير جملة من التحديات التي يعانيها القطاع؛ فقرارات رفض تسجيل الجمعيات ما تزال تصدر غير مسببة، الأمر الذي يحرم المتضرر من فرصة بسط سلطة المحكمة رقابتها على قانونية قرار الرفض، كما أن تعدد مرجعيات الإشراف على الجمعيات، وغياب التنسيق بينها، جعل عمل الجمعيات مع نظيراتها الحكوميات صعبا.
الرعب من التمويل الأجنبي – الذي هو مشرعٌ من الحكومات ذاتها – وصل إلى حد إصدار آليات للموافقة على التمويل الأجنبي (2015 و 2019) مخالفة لنص القانون ذاته، ناهيك عن رفض بعض المشاريع بسبب عدم الاعتراف بوجود مشكلة مجتمعية مثل العنف الأسري مثلا.
على صعيد آخر فإنه من المعروف أن الدولة تواجه تحديا في الامتثال لتوصيات مجموعة العمل المالي «FATF» فيما يخص منع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ولكن التصدي لهذا التحدي يتطلب التدقيق على نشاطات غير ربحية أخرى تجمع تبرعات خارج إطار قانون الجمعيات. ومعلومٌ أن متطلبات تدقيق الممول أكثر صرامة من تلك التي تتطلبها الحكومة! علما بأن مجلس الوزراء قرر العام 2017 شمول الجمعيّات والشركات غير الربحيّة بأحكام قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
نتفهم تحديات الوزارة بخصوص حجم الكادر الحكومي المعني بالإشراف على القطاع المدني، بما في ذلك ندرة الموارد البشرية والمالية والقدرة المؤسسية، وهذا الأمر يتطلب إعادة النظر في شكل الإشراف مراعاة للموارد المتوفرة، وان تصدر تعليمات لا تتعارض مع القانون، توضح شروط التمويل المحلي والأجنبي المقبول وغير المقبول، وقد اقترحنا غير مرة أن يكون التدقيق «بعديا»، الأمر الذي يحقق للوزارة التدقيق على المخالف ووقف عمله أو تحويله للقضاء، وهذا يتطلب وضع شروط واضحة لممارسة الجمعيات لأهدافها المسجلة، ووقف محددات قانون الاجتماعات العامة عليها.
هذه مقاربةٌ عاجلةٌ للتحديات القانونية والواقعية التي تواجه المجتمع المدني، وهناك الكثير ليقال، دون الدخول في التفاصيل التي لا يتسع لها هذا المقال، فقد آن الأوان لكي تعلن الحكومة عن مصالحة تاريخية بين الدولة وقطاع المجتمع المدني، وأن ينتهي هذا التذبذب التشريعي والعملي في التعامل معها.
حسب إعلان معالي الوزير فقد شكلت اللجنة في أفياء الاعتراف بالحق الدستوري للأردنيين في الاجتماع وتشكيل الجمعيات كما ورد في المادتين 16 و128 من الدستور، ـ هاتان المادتان اللتان أكدتا أن القانون المنظم للحق بالاجتماع وتشكيل الجمعيات يجب ألا يؤثر سلبا في هذا الحق أو يمس أساسه ـ .
نتمنى ونتوسم أن يحمل معاليه لواء هذه المبادئ، ويقف على تعديلات تؤمن بالمجتمع المدني، ودوره الوطني، فإن الدولة والمؤسسات التي يدعو لها جلالة الملك في بداية المئوية الثانية، هي مؤسسات جريئة وشفافةٌ في الإعلان عن رؤية الدولة وخطط عملها بخصوص حقوق الأردنيين، كل ذلك في نطاق اتفاق وطني عام مطلق غير قابل للرجوع عنه "بأن الأردن وأمنه خط أحمر” لا نساوم عليه، وإن حماية السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية التزام كل مواطن، وكل مؤسسة، تطبيقا لنص وروح الدستور، اللهم إني قد بلغت جنابك!!.