اخبار البلد - يُنسب ابتكار مصطلح «اقتصاد المقاومة» إلى المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي. ولذلك، سوف يرفض البعض قراءة حتى السطر الأول، على أساس موقف قَبْلي عازف عن النظر في كل ما يأتي من «هناك». وهذا عيب منهجي أساسي في مزاولة المعرفة، يضر أولا بصاحبه. والأصل أن تسمع أكبر قدر ممكن مما يُقال، وتحاكِم، وتأخذ الأفكار الداعمة لذاتها وترفض الأفكار المتداعية منطقيا.
تتعامل فكرة «الاقتصاد المقاوم»، بالمعنى الإيراني، على ابتكار طرق للالتفاف على العقوبات من أجل تقليل الألم الاقتصادي. وتُقام الفكرة على أساس إمكانية تحويل ظروف الحصار إلى فرصة، من خلال اجتراح السبل لتكييف الاقتصاد المحلي بحيث تصبح في النهاية قريبا من الاكتفاء الذاتي والوقوف على قدميه وحده، حتى بعد ذهاب العقوبات.
ليس اقتصاد المقاومة، حتى إذا اقتضى تأمله إزالة المزدوجين وتجريده من خصوصيات الحالة الإيرانية، اقتراحاً سيئاً في النهاية. إنه مسعى صالح لكل أمة تريد تحسين أمنها القومي، وتحرير قرارها إلى أقصى حد ممكن، وإتاحة الكرامة لمواطنيها على أساس الاستغلال الأقصى للموارد والطاقات المحلية وتخفيف الاعتماد على الخارج.
ربما تعرف اقتصادات المقاومة بأنها تلك التي تُصمّم لتكون قوية بذاتها، واعية لخططها وفرصها وأدواتها بحيث لا تتداعى بتغير نية الخارجيين. وفي الحد الأدنى، يفترض الاقتصاد المقاوم تحقيق إمكانية أن تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع.
على عكس الانطباع الأول، ليست الاقتصادات الريعية المحسودة مقاوِمة (بكسر الميم)، حتى لو كانت «قوية» بمؤشرات الدخل القومي وحصة الفرد ورفاه السكان. إنها عرضة للانهيار الحتمي بمجرد انتهاء المورد النادر أو العثور على بديل عنه، أو قرار الآخرين بعدم شرائه أو فرض انخفاض سعره. وهي اقتصادات مقاومة (بفتح الميم) لأنها لا تتيح استقلال القرار بسبب الاعتماد الكامل على الخارج في إدامة الحياة، من رغيف الخبز، إلى كل الملابس، إلى البندقية التي تدافع بها عن نفسها. إنها تترك أصحابها مكشوفين.
في المقابل، هناك اقتصادات قد تبدو فقيرة، لكنها تتوخى الاستغلال الأمثل لكل ما ينطوي على إمكانية الإنتاج منه، من البشر والحجر. وسوف تكون اقتصادات مقاومة ومقاومة (بكسر وفتح الميم على التوالي) يصعب كسر إرادة أصحابها وشراء قرارهم لأنه يصعب حرمانهم من الخبز والملح. وقد يتطلب فرض الإرادة عليهم حرباً أو مسعى يُرتِّب ثمناً على الساعي إلى الهيمنة يجعله يطيل حساباته.
الاقتصاد المقاوِم تصميم معقد يتطلب الإخلاص، وطول النفَس، والغيرة الوطنية، والقدرة على إقناع الناس بالمشاركة في المشروع. ونظرياً، يمكن أن تحاوله أي دولة بدءاً من وضع كل وأي موارد منطوية على وعد على الطاولة، والتفكير في كيفية تشغيلها.
إذا كانت لديك أرض صالحة للزراعة، ازرع كل شبر منها لتؤمن قوتك. إذا كان ثمة أشياء بسيطة يمكنك صناعتها، إسع إلى امتلاك معرفة وأدوات تصنيعها بدلاً من شرائها. إذا كانت لديك تراث جميل ومشهد جميل ومناخ مساعد، جمِّله وأهِّله وادع الناس لزيارته. أهل بنيتك التحتية وخدماتك لإقناع المستثمرين والزوار بالقدوم. وإذا كان لديك شعب مجتهد، افتح له الأبواب لتشغيله وإطلاق طاقاته وأتِح له سبل الكسب.
أبعِد ذوي المخيلات الفقيرة وأصحاب المحسوبيات والمصلحة الذاتية وحكّم معيار الجدارة والمساواة في المواطنية والفرصة للتوظيف في الأعمال الصغيرة والمناصب الكبيرة. لا تُهدر ولا طاقة واحدة كامنة في أي مواطنٍ لديه ما يعرضه. لا تختَر إحباط طاقات المجموع كوسيلة للإخضاع وفرض استقرار ظاهري. عدم الرضا وعيش الكفاف وصفات لعدم الاستقرار والوقوف على الحافة.
ثمة مشكلة في اقتصاد المقاومة، هو أن يعمل الخارجيّ الذي لن يخدمه اكتفاء الدول بذاتها وعدم اضطرارها إلى المقايضة بقرارها على إحباط مشاريعها. لكن الفكرة تسحتق المناورة والعمل بالممكن على الجهد المشروع لتقوية الاقتصاد الوطني وجعله مقاوِماً ما أمكن.
بالإلحاح والتكرار، أصبح كل ما يُنسب إلى «المقاومة» مسعى «ثورجياً» بمعنى سلبي يُلصق بأي محاولة للتخلص من التبعية، أو تحريك النظم المستقرة، أو تحرير الإرادة، باعتبارها عبثاً وتمرداً ولاواقعية. ويروَّج للاستسلام والاعتمادية على الغير وهدر الموارد المحلية كمرادفات للواقعية ووصفات للسلامة. وبذلك، حتى فكرة تثوير الاقتصاد تُستبعد لأنها تتطلب تغيير القواعد، وتحريك المستقرات والتخلص من النخبوية. لكن صنع اقتصاد مقاوِم بتوفير شروطه هو الطريق الوحيد إلى السلامة.