اخبار البلد - يمثل الاقرار الحكومي بحاجة البلاد لإصلاح إداري حكومي حقيقي وسريع، بداية لإيجاد حلول لمشاكل الادارة العامة المُثقلة التي بدأت تظهر الى العلن وتؤثر على أدائنا الاقتصادي وصورة البلد في الخارج، لان عدم التعاطي جدياً مع المشكلة يحمل مخاطر جَمّة، ولعل فاجعة السلط المؤلمة فرصة حقيقية لإحداث التغيير الاداري المنشود لتوفير الخدمات للمواطنين بصورة فعالة ومنتجة، وتحقيق النهوض الاقتصادي وإيقاف الهدر بالموارد.
الغريب، ان مظاهر الترهل إزدادت مع دخول «الرقمنة» للقطاع العام، بصورة مقبولة ومريحة للمواطنين والإقتصاديين، وقد يفسر الامر على وجود قوى شد عكسي داخل المؤسسات الحكومية، بدأ يستشعر الخطر من توجهات الدولة لتطبيق الحكومة الالكترونية، التي تؤدي في نهاية المطاف للتخفيف من الموظفين الحكوميين الى أدنى حد ممكن، فالحكومة الالكترونية تقلل الاعتماد على العنصر البشري، وتقدم الخدمة بسرعة ودقة لطالبيها.
ملف الاصلاح الاداري مطروح منذ عقود على أجندات الحكومات، وهناك من دافع عن البيروقراطية الحكومية كضامن لكشف الفساد والتزوير والتلاعب، وحماية الامن الوطني في بعض الاحيان، لكن التطورات العالمية في مجال الادارة الحكومية تُجبر الحكومة على اتخاذ منحى جديدا من أجل خفض التكاليف والترشيق وتقديم الخدمة للمواطن الذي يدفع للحكومة تحت مسميات ضريبية وخدمية الكثير من الاموال، وينتظر ان تقدم له الخدمة وتسيير شؤونه دون مشاكل او تعطيل او تقييد غير مبرر.
من أبرز الاشكاليات التي ظهرت في هذا المجال تعدد المؤسسات التي تعني بتطوير القطاع العام، أوجدنا وزارة تطوير الاداء المؤسسي وتطوير القطاع العام، ومن ثم تم الغاؤهما، وتحويل مهامهما لوزارة الاقتصاد الرقمي، ولجأنا الى ديوان الخدمة المدنية كجهة راعية للموارد البشرية، ولم يحصل على السلطة لتحقيق أهدافه في التعيين وترشيح الموظفين، الغريب أن لدينا كوادر إدارية عالية المستوى تحظى بالثناء، ويستفاد منها في الخارج بشكل لافت، لكنها لا تجد الدعم أو المساحة الكافية لتحقيق رؤاها في وطنها، على سبيل المثال لا الحصر إحدى هذه ا?كفاءات طلبت إدخال وحدات لقياس الاداء في مؤسساتنا، كانت الاجابة الرفض، لأن لا احد يريد أن يقيم أداءه أو عمله.
لكن ما الحل في ظل وجود هذه الاشكاليات والعقبات في القطاع العام؟.
لتحقيق أهدافنا في الاصلاح الاداري نحتاج للإيمان بفكرة الاصلاح أولاً، كما نحتاج لاستنهاض خبراتنا في الداخل والخارج في مجال الموارد البشرية، لتغيير الصورة النمطية عن العمل بالقطاع العام، لما يتمتع به هؤلاء من ديناميكية وخبرات ومعرفة اختصاصية وقدرات تقنية وتكنولوجية، تحقق التغيير المطلوب، وتمكين الخبرات المتوفرة في مؤسساتنا والمشهود لها بنضج الرأي من الاسهام في عملية التطوير بالتعاون مع الجيل الشاب الموهوب صاحب القدرات التقنية العالية في هذا المجال.
الاصلاح الاداري الناجح لا يكون فقط باستبدال مسؤول إداري بموقع ما، بمسؤول آخر، الموضوع يتعلق أيضاً بمنظومة تشريعية وإصلاحية وإجرائية شاملة لا تبدأ بأسس واختيار موظفي القيادات العليا، وخضوعها للمزاجية في أحيان كثيرة، ولا تنتهي بإيجاد هيكلية ديناميكية تؤدي إلى مزيد من الإنتاجية في العمل تخضع للتقييم والمساءلة، فالوقت لم يعد يُسعفنا، نحتاج لمقاربات جريئة وعمل بروح الفريق المُتحمسْ والمندفع لتحقيق نتائج سريعة لوقف هذا الزخم الرافض للاصلاح الاداري.