اخبار البلد - من جديد، كارثة أخرى جديدة وقعت، ومن جديد هرع الجميع للحديث عنها وتشخيص واقعها، ومن جديد نسمع مشاكل كانت مخفية لا نعلم عنها، وحركها وكشفها عظم المأساة.
نعم، ما حدث في مستشفى السلط الجديد كارثة بكل المقاييس، فالانسان اغلى ما نملك، والتفريط بحياته فعل لا يجوز السكوت عنه او تجاوزه، وبالتالي فان التشخيص وحده لا يكفي.
صبيحة السبت حصلت فاجعة أفقدتنا أحبة، جعلتنا نكشف عورات الكثير من القضايا، وقبل السبت حدثت حوادث اخرى، فقبل ذاك فقدنا اطفالا ذهبوا في رحلة وداهمتهم الامطار، وقبلها احداث مختلفة فقدنا في بعضها احبة كثر.
لا يكفي الوقوف على المشكلة في وقتها، ولا يكفي ان يكون العلاج بالفزعة فقط، فما جرى السبت الماضي وقبله يدفعنا لفتح ملفات طالما دافع بعضهم عن فتحها لسنوات طوال، لذا دعونا نعترف ان منظومة قطاعنا العام تشهد ترهلا واسع النطاق، وان الحل يكمن في ثورة بيضاء نتوقف فيها عند مشاكلنا الادارية والفساد الاداري الذي يمارس ويجعلنا بين فترة واخرى نقف امام فاجعة جديدة، نفقد فيها ارواحا بريئة.
الفساد الاداري كلفته اكبر واشد من الفساد المالي، فهذا الفساد الذي استشرى بات يؤثر على مناحي حياتنا اليومية، فهو يعبث باستثمارنا ويعوقه، ويقف حجرة عثرة امام تطورنا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وصحيا وتربويا ورياضيا، وبسببه بتنا نلمس تراجعا واضحا وصريحا في الذهاب لبناء الدولة الحديثة التي نريد.
أيعقل اننا في القرن الواحد والعشرين وبتنا على بعد خطوات من دخول تأسيس الإمارة ثم المملكة للمئوية الثانية، أيعقل اننا ما زلنا نعالج امورنا بالفزعة؟ أيعقل اننا ما زلنا غير قادرين حتى اليوم للتأسيس لدولة مدنية حديثة تعتمد القانون وسيادته في حال الخلاف بيننا؟ أيعقل اننا ما زلنا نعظم الواسطة والمحسوبية ونبحث عنها في حال تعثر بعضنا في معاملة شكلية لا تحتاج اصلا لواسطة؟
أيعقل اننا نريد ان ندخل مئوية ثانية وما زالنا نعتمد المحاصصة والجهوية طريقة في التعامل مع قضايانا؟ أيعقل اننا ما زلنا نحرث في الماء في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ وما زلنا ننتخي بالفزعة الجهوية والمناطقية للدفاع عن هذا او ذاك؟ّ!.
سادتي، القصة لا تحتاج لكثير من التفكير، الحل واضح وصريح علينا الذهاب لاعادة النظر في قطاعنا العام وتلمس الخلل الذي أصابه، وتشخيص الأسباب التي ادت لذلك بشفافية ووضوح، وقتها تسير امورنا بشكل سلس، ويعرف كل مسؤول حدود صلاحياته وإمكاناته ويعرف انه سيسأل عن اي مشكلة قد تقع.
القصة لا تحتاج للكثير من التفكير، فعندما نصلح نظامنا التعليمي ويصبح مدرس الجامعة والمعلم مؤهلا للوقوف امام طلابه بحكم خبرته العلمية وبحوثه الادبية وافكاره التنويرية، نكون في الطريق الصحيح، وعندما يجتاز الطبيب امتحاناته التأهيلية دون تدخل هذا او ذاك، والوزير يجلس على مقعده بحكم خبرته السياسية والادارية ومخزونه الفكري والتعليمي، وليس من خلال حسابات ضيقة ومعرفة شخصية نكون في طريق صحيح، وعندما يصل الموظف العام لموقعه بفعل قدراته الادارية وليس بحكم واسطة او محسوبية، وقتها يمكننا ان نقول اننا بتنا نقف على بداية سلم الصلاح، ووقتها يمكننا ان نذهب تجاه بناء دولتنا التي نريدها تتسع للجميع دون حسابات.
لا نريد لما جرى في السلط ينتهي مفعوله بعد أسبوع او اثنين، نريد ان نجعل من فاجعتنا جرس انذار حقيقي وليس كلاميا لنا جميعا لكي نفتح الباب لمعالجة مشاكل قطاعنا العام والترهل الذي يعيشه، ونضع الامور في نصابها وندخل بكل شفافية ووضوح وسعة أفق في ثورة بيضاء لمعالجة الخلل الذي تجذر.