ان السخط النيابي الشعبي على هذة الهيئات المستقلة يحمل نوع من انواع الظلم بمواجهتها حيث ان السخط ناشئ عن اعراض المرض وليس المرض الرئيس، وبشكل اوضح فأن السخط ناشئ عن التجاوزات وليس عن مخرجات عمل بعض هذة الهيئات والاجدر ان تتم معالجة هذه الاعراض المتمثلة بهذة التجاوزات وليس حرمان الوطن من مخرجات عمل هذة الهيئات بمعالجتها للمرض الرئيسي.
ان سبب الدفاع عن نموذج عمل الهيئات هو وجود افضلية لها في طريقة العمل غير متوافرة في عمل الوزارات بشكل عام ، فأولا تمتاز الهيئات المستقلة سواء في الاردن او في تجارب الدول الاخرى بأنها بالعادة تستثمر خبرات اشخاص ذوي علم ودراية واختصاص في المجال الذي تعالجه هذة الهيئة على خلاف العمل الحكومي في الوزارات الذي يخضع لاعتبارات سياسية ومراعاة تحقيق العدالة في التوظيف وحل مشكلة البطالة على حساب الغاية الرئيسية للعمل.
و ثانيا تمتاز الهيئات المستقلة بأن رأس الهرم فيها بالاخص هو شخص يفترض ان يكون ذو خبرة ودراية في مجال عمل الهيئة و ان يكون هذا الاختصاص و الخبرة مشترط في الهيكل القانوني لها ، في حين ان رأس الهرم في الوزارات وهو الوزير منصب سياسي ليس بالضرورة تشريعيا و سياسيا ان يكون مختصا بتفاصيل العمل في وزارته على غرار حكومات التكنوقراط في بعض الدول .
وثالثا فأنه ينشأ عن السببين السابقيين انه و بالعادة يكون هناك خطط طويلة الامد وعابرة للحكومات تنتهجها هذة الهيئات كونها غير محكومة بتغير الحكومات مما يزيد من فرص الوصول الى النتائج المخطط لها ويعطي استقرارا وثباتا في النهج الحكومي لمعالجة الصعوبات التي تواجه قطاعا معينا بحد ذاته .
ورابعا تمتاز هذة الهيئات بمحدودية التأثر بأدوات الحياة السياسية والبرلمانية وضغط الشارع، حيث تستتر وراء ممثلي الحكومة في الحياة السياسية من اعضاء الطاقم الوزاري الذي يجب ان ينشغل بالدفاع عن التوجهات العلمية و الفنية المتخصصة لهذة الهيئات في المعترك السياسي، فيما تنشغل الهيئة بالتركيز على استدامة وتنمية القطاع الذي تختص به ،واخيرا فأن الهيكل التنظيمي لبعض هذة الهيئات وبالاخص وجود هيئة مفوضين او مجلس ادارة متخصص يلبي الرغبة الدائمة لدينا كمواطنين بوجود قرارات ناشئة عن نهج تشاوري لمجموعة من المختصين المتساوين في الرتبة الوظيفية مما يمنع التفرد بأتخاذ القرار، كما ان التبديل الجزئي لهيئة المفوضين او مجلس الادارة يضمن استمرار تنفيذ الخطط طويلة الامد وبنفس الوقت ضخ دماء جديدة تحمل افكارا خلاقة لتعزيز ما سبق.
في الاردن هناك العديد من الهيئات المستقلة التي اثبتت جدارتها في تنظيم القطاع الذي تعنى به، فعلى سبيل المثال فأنه بالرغم من عدم الرضى عن السياسة الاقتصادية للحكومات الا ان هناك رضى مقبول عن ضبط السياسة النقدية من خلال البنك المركزي، وكذلك الحال فان هناك احترام للمجلس الطبي الاردني الذي يضع اسس ويشرف ويراقب على تنفيذها فيما يختص بمؤهلات الاطباء والمستشفيات والقطاع الطبي بشكل عام ،كما ان دائرة ترخيص السواقين والمركبات والتي تعمل بشكل مستقل نسبيا و يشبه عمل هذة الهيئات المستقلة تحظى باحترام من المواطن الاردني بسبب التطور الذي شهدته في السنوات الاخيرة و هناك العديد من الامثلة الاخرى التي من الممكن ايرادها في هذا المجال .
في ظل المعطيات السابقة نجد بعض الدوائر الحكومية التي يجب ان تستغل قدرتها على العمل بشكل مستقل و فني و لكنها ما زالت غير قادرة على خلق مسار ابداعي متميز وقيادي في مجالاتها، حيث ان مؤسسة المواصفات والمقاييس ودائرة مراقبة الشركات على سبيل المثال من ابرز الامثلة التي يجب ان تخضع لتجربة الهيئات المستقلة، حيث ان احتكامها للبروقراطية الحكومية من خلال ارتباطها الاداري والمكاني ايضا مع الوزارة ضيق نطاق وظيفتها الى الارشفة للوثائق والروتين غير المنتج في اصدار التصاريح والرخص ، في حين انها يجب ان تعنى في تنمية وتطوير البيئة الاستثمارية واسس ومعايير الاستيراد والتصدير والحفاظ على حقوق المواطن الاردني و يجب ان يصدر عنها معايير مرجعية يهتدي بها المواطن بشكل عام كل منها في مجال اختصاصها.
في النتيجة فأن التوجه العام للتخلص من اي هيئة مستقلة حرم الاردن من ايجابيات وجود مثل هذة المؤسسات المستقلة ، والاصل ان يتم ضبط مواطن الخلل المتمثلة في اسس التعين والامتيازات و تحديد النطاقات المفصلية التي تحتاج لمثل هذة الهيئات ،وفي المقابل يتم دعم هذه المؤسسات لضمان سياسة مستقرة طويلة الامد لخططنا للنهضة في الوطن .
المحامي
يزن جميل المحادين