في طفولتي أحببت بوسي, الممثلة المصرية.. ياما جمعت صورا لها, والصقتها على دفاتري, حتى أنني وخوفا من أن يكتشف أحدهم حبي (لبوسي) أحضرت دفترا خاصا، وبدأت أجمع صورها من المجلات وألصقها في الدفتر..
كان زمني غير هذا الزمن، كانت الكرك تعج بالحياة السياسية والحزبية, وكنا نسمع باعتقالات الشيوعيين... وكان يقال همسا في المجالس أن فلانا.. ينتمي للجبهة الشعبية, وثمة منشورات كانت توزع في الليل.. ونلتقطها, وأغان للثورة الفلسطينية نتبادلها... وشباب بكامل الوسامة والقيافة, خرجوا من المعتقل للتو..
كل ذلك لم يؤثر على شخصيتي, بقدر ما أثرت (بوسي)...في قلبي, وأتذكر أن التلفاز الأردني عرض لها مسلسلا منتصف الثمانينيات اسمه (الحب في الخريف).. تابعته بلهفة وشوق، وحين كانت تظهر على الشاشة كان قلبي يقفز من بين الضلوع.. وذات مرة – ما زالت أذكر – في أحد المشاهد, قالت بوسي: (ايه يا مرسي هو انت ألبك حجر).. وبدأت تبكي وتنوح كان المشهد يتطلب ذلك.. وأنا لم أتمالك نفسي وبدأت أبكي معها, وأنوح معها أيضا... لكن أبي حين لاحظني أنهى المشهد قبل أن ينهيه المخرج, عبر استعمال (مكتة) عابرة للفرشات.. يومها ظنوا أن الكهرباء (لطش?ني).. بحكم جلوسي جانب الأسلاك, لم يعرفوا أني على علاقة حب مع (بوسي)..
كانت أحلام الشباب لدينا تتلخص في أن يكبروا, ويغادروا إلى اليونان والعراق وسوريا.. وبيروت, كانت أحلامهم أن يصبحوا.. من عتاة اليسار والرفض، ومن الجماهير المستعصية على الإنكسار, وأنا أحلامي كانت تتلخص في أن أذهب لمصر وأرى بوسي، وربما ستعشقني.. ربما, وربما سأتزوجها.
ناضلت لأجل بوسي في طفولتي, وتابعت كل مسلسلاتها... وأتذكر حين ظهر الفيديو.. أتذكر كيف أحدث ثورة في قلبي, وكيف صرت أحضر أفلامها.. وأمضي عطلتي الصيفية, في تتبع عيونها.. طاردت عيون بوسي عمرا من الدمع واللهفة..وأعرف أنه كان حبا من طرف واحد, وكتبت فيها مجموعة من القصائد كانت تمثل بعض المحاولات النبيلة في الشعر...لابل كتبت ديوانا أسميته: (بوسي والكركي الاشقر)...
حين كبرت تبدد كل شيء, صحيح أني فرحت لطلاقها من نور الشريف...لكن بوسي كانت حلما بعيد المنال, وكانت عشقا مستحيلا...وكل الدمعات التي ذرفتها كانت محض هراء, وكل ما كتبته ذهب أدراج الريح...
كلما تذكرت قصتي مع بوسي, تذكرت...أن العالم كله بما يحمل من كورونا وما يحمل من لوعات وأوجاع...وصراعات وخلافات, لم يكن ذات يوم أكبر من عيون بوسي في قلب طفل كان اسمه عبدالهادي راجي...
تركت بوسي التمثيل, ولكني كلما فتحت شاشات التلفاز..وجدتها في نشرة الأخبار في لقاءات التاسعة, في موجز الأنباء..وفي حوار الليلة, بوسي لم تترك المشهد أبدا.