اخبار البلد - سيسدل الستار على أول تعديل وزاري على حكومة د. بشر الخصاونة، والمؤكد أن المجتمع لم يعد مهتما بتشكيل الحكومات، أو تعديلها، وكأن الأمر يجري في دولة أخرى.
تجربة الأردنيين مع تشكيل الحكومات وتعديلاتها المتتالية في العقود الثلاثة الماضية مخيبة للآمال، وتوصلوا لقناعات أنها ليست أكثر من تنفيعات، وتدوير للمناصب والمواقع، ولا تحكمها معايير في الأداء، وقلة قليلة من «الرؤساء» والوزراء تركوا أثراً يتذكره الناس.
طلب رئيس الوزراء من وزيري العدل بسام التلهوني والداخلية سمير مبيضين الاستقالة، بعد اتهامهما بمخالفة أوامر الدفاع بحضورهما مأدبة عشاء فاقت العدد المحدد للاجتماع، كانت الخطوة التي فتحت الطريق سريعاً للتعديل الوزاري، رغم أن قصة «الإقالة» لم تجد قبولاً عند البعض، واعتبرت محاولة لبناء واستعادة الشعبية.
في كل الأحوال التعديل فرصة واختبار ثان للرئيس الخصاونة لترميم ومعالجة ما لم ينجح به في المرة الأولى، وأكثر ما هو مطلوب إنجازه بناء وخلق تجانس بين الفريق الوزاري، وترشيقه بعد أن أتخم بحمولة زائدة من وزراء الدولة.
رئيس الحكومة د. الخصاونة لا تنقصه الفطنة والذكاء، ولهذا فإن المهمة التي يتوقع أن يحسمها خلال التعديل تتلخص باستبعاد «وزراء التأزيم»، هؤلاء الذين لا يمكن «ضبطهم»، أو السيطرة على ردود أفعالهم، ومحاولاتهم الدؤوبة لصناعة كاريزما تسلط الضوء على حضورهم ولو كان على حساب الحكومة.
قد تكون هناك أسباب كثيرة دفعت الرئيس لاختيار بعض الوزراء، لكن التجربة أثبتت إخفاقهم وفشلهم، فلماذا يبقيهم عبئا على حكومته، ولماذا تظل الحكومة خاضعة لتندر نشطاء السوشال ميديا بسبب زلاتهم وضعفهم؟
التعديل الوزاري فرصة لا تتكرر لتلميع الحكومة، والسعي لاستعادة ثقة الشارع بها، فنتائج استطلاعات الرأي لا تظهر تفاؤلاً بأعمال الحكومة، وأكثر الأدلة وضوحاً اتفاق غالبية الناس على أن الأوضاع الصحية تسير نحو الأسوأ.
سيخضع الخصاونة فريقه الحكومي للفك وإعادة التركيب، وسيعمل على مناقلات بين الحقائب الوزارية، ولا أتوقع أن يذهب نحو دمج للوزارات، أو إبقاء وزير واحد لوزارتين، فهذه التجربة لم تثبت نجاحاً، والأرجح أن يستقطب الرئيس وزراء جددا لحكومته ممن جربوا، ومن محافظات مختلفة حتى يبعد عن نفسه، ويرد على اتهامات المناطقية التي وسمت الحكومة عند التشكيل.
ثلاثة ملفات أساسية تواجه الحكومة في المرحلة المقبلة، الأول يتعلق بالصحة واستمرار تداعيات جائحة كورونا، فحالة التفاؤل التي سادت بعد السيطرة على المنحنى الوبائي في الأشهر الماضية انتهت عند تفشي الوباء مجددا، والعودة للحظر الشامل يوم الجمعة، وتأخر وتباطؤ حملة التطعيم، وعلى الرئيس تقييم الوضع، والبحث عن حلول ومخارج.
والملف الثاني لا ينفصل عن الأول ويتعلق بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وتنامي معدلات البطالة والفقر، وتعاظم الخطر المجتمعي إثر استمرار الجائحة والحظر والإغلاق، والحكومة مطالبة أيضا بالبحث عن طوق نجاة ينقذ الناس من الحالة الصعبة التي يعيشونها، فالفقر «كافر».
الملف الأخير توجيه البوصلة نحو الإصلاح السياسي مجددا، وتأكيد الملك على أهمية تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب أعاد ترتيب الأولويات، وهو ما يفرض على الرئيس تعزيز فريقه السياسي بالحكومة، ووضع خطة جدية للتعامل مع التحديات الديمقراطية والسياسية والحقوقية بعد تزايد الاتهامات الدولية للأردن بانتهاكات حقوق الإنسان، وهذا الملف تحديداً يرتبط أيضاً باهتمام الرئيس الأميركي الجديد بايدن بقضايا الديمقراطية ووضعها على رأس أولوياته في المنطقة.
التعديل الوزاري لحظة فارقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وربما يبدأ ذلك بوضع مسطرة لتقيم أداء الوزراء الذين سيغادرون الحكومة، والذين سيبقون فيها، والذين سينضمون لها، ومصارحة الجمهور بهذه الحقائق حتى لا يسود الاعتقاد أن كل ما يفعل ليس أكثر من شراء للوقت، وتعميق المنافع المتبادلة في الدولة.