لعبة المرحلة القادمة في الأردن
بقلم أ.د. عدنان هياجنة
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الهاشمية
hayajneh1@yahoo.com
بعد أن تم إجراء التغيرات في الموقع الأول لمجموعة صنع القرار في مؤسسات الدولة ذات العلاقة في التأثير في صياغة وصناعة وتنفيذ السياسة العامة بما فيها السياسية الخارجية في ظل تغيرات متوقعة النتائج ومفاجآت غير متوقعة تستعد المجموعة للبدء في اللعبة السياسية لتنفيذ ما وضعته في "صحن كبير" من أجل تنفيذه مع تقديرات بأن الأمور تسير حسب استراتيجية الفعل ورد الفعل أو ما يسمى علميا التفاوض غير المباشر ضمن خطة مرسومة تحافظ على سلوك معين تفترض فيه ثبات أي تأثير لعوامل أخرى تأخذ بعين الاعتبار تقييم الوضع والتوقيت والسرعة المدروسة في الفعل. وتضم مجموعة صنع القرار، أحد أطراف اللعبة السياسية، للمرحلة القادمة:
(مجموعة صنع قرار جديدة)
• حكومة جديدة برئاسة قانوني دولي له سمعة دولية ومنظور فكري يعتمد الشفافية والمثالية، أخفق في التشكيلة الحكومية التي سيطرت عليها المدرسة الفكرية التقليدية للواقع الأردني، كما أخفق لغاية الآن في ضم الحركة الإسلامية الذي كان يمكن أن يكون بداية موفقه له حسب التعليقات الصحفية.
• مجلس نواب تم فيه اختيار رئيس جديد وقانوني مخضرم محسوب على تيار محافظ وتمثيل عشائري قوي مرتبط بتوقعات شعبية غير موفقة نتيجة لثقة (111) يمكن أن تعطي قيادته نوعا من المصداقية، وهو ما يتوقع خلال مناقشات الثقة الأسبوع القادم وخطابات الاستعراض التي لا تسمن ولا تغني من جوع من وجهة نظر المواطن العادي الذي لا يثق كثيرا بمجالس النواب حسب الدراسات العلمية.
• مجلس أعيان تم إعادة تشكليه ليتماشى مع نفس سياسة الاحتواء الحكومي. وأمام مجلس الأمة قوانين تشكل أهم مطالب الحركات السياسية في الأردن ومدخل احتوائي من قبل صناع القرار تتعلق بقانون الانتخاب والأحزاب والهيئات المستقلة المشرفة، أي أنها كلها مرتبطة بالتحضيرات القانونية للمرحلة القادمة التي يتمنى صناع القرار أن يؤدي تطبيقها إلى إصلاح يؤدي إلى مسيرة ديمقراطية حقيقية اعتبرها البعض الفرصة الأخيرة.
• الديوان الملكي. تم تسليم الأمر إلى شخصية عسكرية محافظة محسوبة على منطقة جغرافية الحراك الشعبي فيها ليس مرتبطا بالحركة الإسلامية وله من التاريخ الذي غير مسيرة الحياة السياسية الأردنية. تطمح القيادة خلاله إعادة النظر بهذه المؤسسة التي تعتبر بيت لكل الأردنيين.
(المخابرات...عقل الدولة المحايد)
• دائرة المخابرات العامة، تم تغيير رأس الدائرة بشخصية تتمتع بنفوذ وإرث وظيفي احترافي يمكن أن تعيد أهمية المخابرات كعقل للدولة من خلال توفير البيانات والمعلومات والتحليلات لمجموعة صنع القرار بحيادية دون تدخل مباشر في صناعة قرارات الدولة، وهذا يتماشى حرفياً مع ما يجب أن تقوم به هذه الأجهزة. وأهم ما يجب أن تركز عليه الدائرة الابتعاد عن الافتراضات الأمنية الخاطئة التي حكمت من خلال "مجموعة التفكير" التي سادت في الفترة الأخيرة.
(الحركة الإسلامية اللاعب الأهم في اللعبة السياسية)
ويضم فريق اللاعبين السياسيين-الطرف الآخر- في الأردن غير الرسمي(بمعنى غير الحكومي): الحركة الإسلامية، وهى من القوى الفاعلة في الحراك الشعبي لكن غير المسيطرة على كل الحراك، والحراك الشعبي الشبابي والعشائري الذي يشمل المناطق المهمشة، وهناك اختلاف في رؤية هذه الأطراف وأن كانت تتفق كلها على الإصلاح الشامل لكنها تختلف في آليات تحقيقيه، وتتفاوت المطالب بينها؛ فالحركة الإسلامية تعززت ثقتها بنفسها نتيجة اللحظة التاريخية لصعود الإسلاميين في العالم العربي بعد الربيع العربي في ظل قبول غربي مشروط، ويجب على الحركة الإسلامية أن لا تتصرف بثقة زائدة، ولا تدخل في لعبة الأوراق الإقليمية وخلطها مع الشأن الداخلي، وهذا يبدو ما صرحت به بطريقة غير مباشرة نظرا لكثير من الانتقادات التي وجهت لها مما يشير إلى دينامكية الحركة في استراتيجية الفعل ورد الفعل والتفاوض غير المباشر الذي يشير إلى عقلانية الحركة. وتتضمن أهم قوى الحراك الشعبي شخصيات سياسية لها منظور مرتبط بإصلاحات مؤسسية إضافة إلى أن معظم الحراك مرتبط بإصلاحات سياسية تؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن.
(مطالب الحراك الشعبي وصلت الذروة)
وتتم أجواء اللعبة السياسية في ظل ظروف محلية وصلت ذروتها وفهمت مجموعة صنع القرار المطلوب، فتحليل المسيرات والخطابات وما يكتب على الفيس بوك متوفر لدى عقل الدولة بناء على رصد منهجي يتضمن أهم المطالب والأدوات، وتصرفت ويجب أن تتصرف على هذا الأساس، كما أن مجموعة الحراك الشعبي أيضا تنتظر الفعل على رد الفعل (الفعل) الذي قامت به، مع أهمية الأخذ بعين الاعتبار ردود فعل جماعات الضغط الاقتصادية التي تحاول الإبقاء على الوضع الكائن الذي يكرس الفساد.
كما أن ظروف المنطقة الإقليمية والدولية، التي ناقشتها في مقالة سابقة(18/10/2011)، تتضمن تغييرات أهمها وضع القضية الإيرانية على سلم أولويات صناع القرار إقليميا ودوليا مما يعني عودة القضية الفلسطينية إلى المرتبة الثانية في ضوء بيئة دولية داعمة لسلوك عسكري ضد إيران تعتقد بعض الدول العربية أنه قد يشكل مخرجا استراتيجيا لبعض الأزمات الداخلية، إضافة إلى شرعنة التدخل الدولي عربيا في مستقبل الربيع العربي، وهذا بحاجة إلى نقاش مستفيض لكنني ذكرته حتى تكتمل لدى القارئ الصورة المحلية والإقليمية والدولية للعبة السياسية القادمة في الأردن في ظل بيئة الربيع العربي.
(حماس مكانها في غزة وليس في الأردن)
وتشتمل محاذير اللعبة السياسية تحييد العوامل الإقليمية قدر الإمكان وبقاء اللعبة محلية الصنع ودون دخول أية أطراف أخرى بالإضافة إلى عدم خلط الأوراق. وفي هذا المجال لا بد من التأكيد على قوانين اللعبة التي يجب أن يلتزم بها الطرفين. فحماس حركة تحرر فلسطينية وجزء من الشعب الفلسطيني مكانها في غزة وليس في الأردن حتى أن فتح مكتب لحماس سيعزز من الانشقاق الفلسطيني؛ فالسفارة الفلسطينية موجودة في الأردن وعلى الفلسطينيين أن يتفقوا على أحادية التمثيل، وأن لا يشارك الأردن في مؤازرة أي طرف ضد الآخر، كما أن زيارة قيادات من حماس إلى الأردن مرحب بها في كل الأوقات لكن ليس لمناقشة قضايا إقليمية أو سياسية بديلا عن السلطة الوطنية الفلسطينية.
كما لا نريد من الحكومة أن تخلط الورقة الفلسطينية بالورقة الداخلية، فالحركة الإسلامية حركة سياسية أردنية لخدمة الأردن، ويجب أن لا تنساق مجموعة صنع القرار إلى حسابات عقلانية بناء على بيانات وإغراءات مرحلية في خلط أوراق الإصلاح الداخلي أو تهميش الحركة الإسلامية أو احتوائها من خلال هذه الورقة التي اعتقد أنها سيكون لها الكثير من التأثيرات السلبية.
(أهمية تحييد البيئة الإقليمية في اللعبة...)
ويكفي مجموعة صنع القرار التحديات الداخلية ولا حاجة لمزيد من تعقيد الوضع الداخلي الأردني ولا اعتقد أن حماس ترغب بذلك، والأهم أن لا جدوى استراتيجية من العودة إلى مناقشة حيثيات إبعاد حماس، فما حدث قد حدث والآن نحن أمام مرحلة جديدة بمعطيات ومتغيرات جديدة. وتشتمل السلوكيات الحكومية المتوقعة والمطلوبة ما يلي:
(الشق السياسي أسهل من الاقتصادي في اللعبة)
• سلوكيات استباقية لما يمكن أن تطالب به بعض الأطراف غير الحكومية من أجل تقويض استراتيجيها للتأثير على المجتمع. وبدأ ذلك من خلال تصريحات قام به رئيس الوزراء حول قضايا هامة منها الفساد والخصخصة وغيرها ينتظر أن تتحول إلى أفعال ملموسة. وينتظر خطاب الثقة الأسبوع القادم بأن يكون بسيطاً ويعالج كل المطالب الشعبية وفق أسس زمنية اعتقد أن تطبيق الشق السياسي منه أسهل بكثير من الشق الاقتصادي.
• سلوكيات متساوية في القوة لما تطالب بها بعض مكونات مجموعة الحراك الشعبي مثل المطالب لحياتية للمتقاعدين العسكريين وغيره من خلال تحقيق المطالب المادية ذات التكلفة الاقتصادية الباهظة وذات المنافع المادية الهامة خاصة إذا ما أدت إلى الاستفراد بالحركة الإسلامية والتعامل مع مكونات الحراك كل على حده. وهذا ممكن حصوله وعليه فإن الطرف الذي يقبل بالثمن سيخرج من اللعبة أي من الطرف الآخر إلى طرف الحكومة.
• سياسات وسلوكيات احتوائية من خلال المناصب والأموال وغيرها لإرضاء أكبر شريحة من نخب المجتمع ذات التأثير على الحراك الشعبي وهذا سيزيد من قوة الطرف الحكومي ويضعف الطرف الثاني، مع أنه سيفتح باب للقوى المهمشة؛ لذا لا بد من اعتماد مدرسة الرئيس الفكرية في هذا الأمر، مع أهمية التنبيه إلى أن مصالح النخب –كلها- تختلف عن مصالح العامة وعليه فإن تقديم مصالح للعامة سيضعف من قوة النخب.
(تحييد أطراف اللعبة من خلال الشق الاقتصادي)
• المطلوب الآن سلوكيات حكومية اقتصادية لإرضاء المواطن يتوازى مع السلوكيات التشريعية من أجل تحييد دور المواطن من قبل الطرف الثاني(غير الحكومي)، ويتوقع أن تكون ذات بعد مرتبط بتحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر من السياسية كما تشير الدراسات العلمية.
(المواطن هو حكم اللعبة)
وفي هذا السياق نحن بحاجة إلى شخصيات مقبولة مجتمعيا من طرفي اللعبة السياسية تأخذ بعين الاعتبار الحقائق التي ذكرت والافتراضات الواقعية عن الحالة الأردنية بحيث تكون مسئولة عن الوصول إلى المرحلة القادمة مع ضرورة التركيز على استقرار الأردن وأمنه بما يؤدى إلى عملية تقدم تراكمي ترضي كل الأطراف خاصة الطرف الغائب الحاضر في هذه اللعبة السياسية وهو المواطن الأردني (الرأي العام) الذي يجب أن يكون له القول الفصل في تقييمه لأداء نخب اللعبة السياسية، وهو يعتمد على وسائل الإعلام في إصدار الحكم المبدئي على توجهات اللاعبين، وعليه فالمطلوب من الإعلام الدقة والموضوعية في تقديم البيانات الصادقة ليتمكن المواطن من إصدار الحكم العقلاني، وبناء على ما تقدم يتطلب الأمر أن يقوم وزير الإعلام بإرسال الرسائل بشكل بسيط ودقيق.
(ضم الحراك الشعبي إلى طرف الحكومة هو هدف اللعبة)
إذن نحن أمام لعبة سياسية يجب أن يتم فيه الإدراك بشكل جدي وجلي ويجب أن تبنى القرارات بناء على بيانات ذات مصداقية عالية وحسابات عقلانية لكل فعل ورد فعل مع أهمية إدراك ومعرفة نهاية اللعبة، وهو ضم كل الحراك الشعبي تحت جناح الحكومة، مع الإبقاء على بعض القوى المعارضة من أجل المحافظة على نكهة الديمقراطية، وإذا ما أتقنت مجموعة صنع القرار الرسمي هذه اللعبة وتوقعت سلوكيات المجموعة غير الحكومية تكون قد فازت في اللعبة بحيث يخضع الجميع للمشاركة في شروط هذه اللعبة التي يجب أن يكون فيها جميع الفاعلين على مستوى عالي من العقلانية وأن تكون حسابات سلوكياتهم مدروسة بشكل كمي قابل للقياس فلا أحد منهم يريد أن يبقى في المعارضة إلى الأبد. المطلوب من المراقب العلمي والباحث الاستراتيجي المحايد رصد سلوكيات الطرفين بشكل يومي بما فيه السلوكيات اللفظية والمادية والتحذير من الرد القوي أو عدم الرد أو الرد المبالغ فيه في كل القضايا، خاصة أن الحالة الأردنية وصلت بالكثير إلى مطالبة الحكومة بسلوكيات تعيد هيبة ومكانة ودور الدولة، وللنقاش بقية!
بقلم أ.د. عدنان هياجنة
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الهاشمية
hayajneh1@yahoo.com
بعد أن تم إجراء التغيرات في الموقع الأول لمجموعة صنع القرار في مؤسسات الدولة ذات العلاقة في التأثير في صياغة وصناعة وتنفيذ السياسة العامة بما فيها السياسية الخارجية في ظل تغيرات متوقعة النتائج ومفاجآت غير متوقعة تستعد المجموعة للبدء في اللعبة السياسية لتنفيذ ما وضعته في "صحن كبير" من أجل تنفيذه مع تقديرات بأن الأمور تسير حسب استراتيجية الفعل ورد الفعل أو ما يسمى علميا التفاوض غير المباشر ضمن خطة مرسومة تحافظ على سلوك معين تفترض فيه ثبات أي تأثير لعوامل أخرى تأخذ بعين الاعتبار تقييم الوضع والتوقيت والسرعة المدروسة في الفعل. وتضم مجموعة صنع القرار، أحد أطراف اللعبة السياسية، للمرحلة القادمة:
(مجموعة صنع قرار جديدة)
• حكومة جديدة برئاسة قانوني دولي له سمعة دولية ومنظور فكري يعتمد الشفافية والمثالية، أخفق في التشكيلة الحكومية التي سيطرت عليها المدرسة الفكرية التقليدية للواقع الأردني، كما أخفق لغاية الآن في ضم الحركة الإسلامية الذي كان يمكن أن يكون بداية موفقه له حسب التعليقات الصحفية.
• مجلس نواب تم فيه اختيار رئيس جديد وقانوني مخضرم محسوب على تيار محافظ وتمثيل عشائري قوي مرتبط بتوقعات شعبية غير موفقة نتيجة لثقة (111) يمكن أن تعطي قيادته نوعا من المصداقية، وهو ما يتوقع خلال مناقشات الثقة الأسبوع القادم وخطابات الاستعراض التي لا تسمن ولا تغني من جوع من وجهة نظر المواطن العادي الذي لا يثق كثيرا بمجالس النواب حسب الدراسات العلمية.
• مجلس أعيان تم إعادة تشكليه ليتماشى مع نفس سياسة الاحتواء الحكومي. وأمام مجلس الأمة قوانين تشكل أهم مطالب الحركات السياسية في الأردن ومدخل احتوائي من قبل صناع القرار تتعلق بقانون الانتخاب والأحزاب والهيئات المستقلة المشرفة، أي أنها كلها مرتبطة بالتحضيرات القانونية للمرحلة القادمة التي يتمنى صناع القرار أن يؤدي تطبيقها إلى إصلاح يؤدي إلى مسيرة ديمقراطية حقيقية اعتبرها البعض الفرصة الأخيرة.
• الديوان الملكي. تم تسليم الأمر إلى شخصية عسكرية محافظة محسوبة على منطقة جغرافية الحراك الشعبي فيها ليس مرتبطا بالحركة الإسلامية وله من التاريخ الذي غير مسيرة الحياة السياسية الأردنية. تطمح القيادة خلاله إعادة النظر بهذه المؤسسة التي تعتبر بيت لكل الأردنيين.
(المخابرات...عقل الدولة المحايد)
• دائرة المخابرات العامة، تم تغيير رأس الدائرة بشخصية تتمتع بنفوذ وإرث وظيفي احترافي يمكن أن تعيد أهمية المخابرات كعقل للدولة من خلال توفير البيانات والمعلومات والتحليلات لمجموعة صنع القرار بحيادية دون تدخل مباشر في صناعة قرارات الدولة، وهذا يتماشى حرفياً مع ما يجب أن تقوم به هذه الأجهزة. وأهم ما يجب أن تركز عليه الدائرة الابتعاد عن الافتراضات الأمنية الخاطئة التي حكمت من خلال "مجموعة التفكير" التي سادت في الفترة الأخيرة.
(الحركة الإسلامية اللاعب الأهم في اللعبة السياسية)
ويضم فريق اللاعبين السياسيين-الطرف الآخر- في الأردن غير الرسمي(بمعنى غير الحكومي): الحركة الإسلامية، وهى من القوى الفاعلة في الحراك الشعبي لكن غير المسيطرة على كل الحراك، والحراك الشعبي الشبابي والعشائري الذي يشمل المناطق المهمشة، وهناك اختلاف في رؤية هذه الأطراف وأن كانت تتفق كلها على الإصلاح الشامل لكنها تختلف في آليات تحقيقيه، وتتفاوت المطالب بينها؛ فالحركة الإسلامية تعززت ثقتها بنفسها نتيجة اللحظة التاريخية لصعود الإسلاميين في العالم العربي بعد الربيع العربي في ظل قبول غربي مشروط، ويجب على الحركة الإسلامية أن لا تتصرف بثقة زائدة، ولا تدخل في لعبة الأوراق الإقليمية وخلطها مع الشأن الداخلي، وهذا يبدو ما صرحت به بطريقة غير مباشرة نظرا لكثير من الانتقادات التي وجهت لها مما يشير إلى دينامكية الحركة في استراتيجية الفعل ورد الفعل والتفاوض غير المباشر الذي يشير إلى عقلانية الحركة. وتتضمن أهم قوى الحراك الشعبي شخصيات سياسية لها منظور مرتبط بإصلاحات مؤسسية إضافة إلى أن معظم الحراك مرتبط بإصلاحات سياسية تؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن.
(مطالب الحراك الشعبي وصلت الذروة)
وتتم أجواء اللعبة السياسية في ظل ظروف محلية وصلت ذروتها وفهمت مجموعة صنع القرار المطلوب، فتحليل المسيرات والخطابات وما يكتب على الفيس بوك متوفر لدى عقل الدولة بناء على رصد منهجي يتضمن أهم المطالب والأدوات، وتصرفت ويجب أن تتصرف على هذا الأساس، كما أن مجموعة الحراك الشعبي أيضا تنتظر الفعل على رد الفعل (الفعل) الذي قامت به، مع أهمية الأخذ بعين الاعتبار ردود فعل جماعات الضغط الاقتصادية التي تحاول الإبقاء على الوضع الكائن الذي يكرس الفساد.
كما أن ظروف المنطقة الإقليمية والدولية، التي ناقشتها في مقالة سابقة(18/10/2011)، تتضمن تغييرات أهمها وضع القضية الإيرانية على سلم أولويات صناع القرار إقليميا ودوليا مما يعني عودة القضية الفلسطينية إلى المرتبة الثانية في ضوء بيئة دولية داعمة لسلوك عسكري ضد إيران تعتقد بعض الدول العربية أنه قد يشكل مخرجا استراتيجيا لبعض الأزمات الداخلية، إضافة إلى شرعنة التدخل الدولي عربيا في مستقبل الربيع العربي، وهذا بحاجة إلى نقاش مستفيض لكنني ذكرته حتى تكتمل لدى القارئ الصورة المحلية والإقليمية والدولية للعبة السياسية القادمة في الأردن في ظل بيئة الربيع العربي.
(حماس مكانها في غزة وليس في الأردن)
وتشتمل محاذير اللعبة السياسية تحييد العوامل الإقليمية قدر الإمكان وبقاء اللعبة محلية الصنع ودون دخول أية أطراف أخرى بالإضافة إلى عدم خلط الأوراق. وفي هذا المجال لا بد من التأكيد على قوانين اللعبة التي يجب أن يلتزم بها الطرفين. فحماس حركة تحرر فلسطينية وجزء من الشعب الفلسطيني مكانها في غزة وليس في الأردن حتى أن فتح مكتب لحماس سيعزز من الانشقاق الفلسطيني؛ فالسفارة الفلسطينية موجودة في الأردن وعلى الفلسطينيين أن يتفقوا على أحادية التمثيل، وأن لا يشارك الأردن في مؤازرة أي طرف ضد الآخر، كما أن زيارة قيادات من حماس إلى الأردن مرحب بها في كل الأوقات لكن ليس لمناقشة قضايا إقليمية أو سياسية بديلا عن السلطة الوطنية الفلسطينية.
كما لا نريد من الحكومة أن تخلط الورقة الفلسطينية بالورقة الداخلية، فالحركة الإسلامية حركة سياسية أردنية لخدمة الأردن، ويجب أن لا تنساق مجموعة صنع القرار إلى حسابات عقلانية بناء على بيانات وإغراءات مرحلية في خلط أوراق الإصلاح الداخلي أو تهميش الحركة الإسلامية أو احتوائها من خلال هذه الورقة التي اعتقد أنها سيكون لها الكثير من التأثيرات السلبية.
(أهمية تحييد البيئة الإقليمية في اللعبة...)
ويكفي مجموعة صنع القرار التحديات الداخلية ولا حاجة لمزيد من تعقيد الوضع الداخلي الأردني ولا اعتقد أن حماس ترغب بذلك، والأهم أن لا جدوى استراتيجية من العودة إلى مناقشة حيثيات إبعاد حماس، فما حدث قد حدث والآن نحن أمام مرحلة جديدة بمعطيات ومتغيرات جديدة. وتشتمل السلوكيات الحكومية المتوقعة والمطلوبة ما يلي:
(الشق السياسي أسهل من الاقتصادي في اللعبة)
• سلوكيات استباقية لما يمكن أن تطالب به بعض الأطراف غير الحكومية من أجل تقويض استراتيجيها للتأثير على المجتمع. وبدأ ذلك من خلال تصريحات قام به رئيس الوزراء حول قضايا هامة منها الفساد والخصخصة وغيرها ينتظر أن تتحول إلى أفعال ملموسة. وينتظر خطاب الثقة الأسبوع القادم بأن يكون بسيطاً ويعالج كل المطالب الشعبية وفق أسس زمنية اعتقد أن تطبيق الشق السياسي منه أسهل بكثير من الشق الاقتصادي.
• سلوكيات متساوية في القوة لما تطالب بها بعض مكونات مجموعة الحراك الشعبي مثل المطالب لحياتية للمتقاعدين العسكريين وغيره من خلال تحقيق المطالب المادية ذات التكلفة الاقتصادية الباهظة وذات المنافع المادية الهامة خاصة إذا ما أدت إلى الاستفراد بالحركة الإسلامية والتعامل مع مكونات الحراك كل على حده. وهذا ممكن حصوله وعليه فإن الطرف الذي يقبل بالثمن سيخرج من اللعبة أي من الطرف الآخر إلى طرف الحكومة.
• سياسات وسلوكيات احتوائية من خلال المناصب والأموال وغيرها لإرضاء أكبر شريحة من نخب المجتمع ذات التأثير على الحراك الشعبي وهذا سيزيد من قوة الطرف الحكومي ويضعف الطرف الثاني، مع أنه سيفتح باب للقوى المهمشة؛ لذا لا بد من اعتماد مدرسة الرئيس الفكرية في هذا الأمر، مع أهمية التنبيه إلى أن مصالح النخب –كلها- تختلف عن مصالح العامة وعليه فإن تقديم مصالح للعامة سيضعف من قوة النخب.
(تحييد أطراف اللعبة من خلال الشق الاقتصادي)
• المطلوب الآن سلوكيات حكومية اقتصادية لإرضاء المواطن يتوازى مع السلوكيات التشريعية من أجل تحييد دور المواطن من قبل الطرف الثاني(غير الحكومي)، ويتوقع أن تكون ذات بعد مرتبط بتحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر من السياسية كما تشير الدراسات العلمية.
(المواطن هو حكم اللعبة)
وفي هذا السياق نحن بحاجة إلى شخصيات مقبولة مجتمعيا من طرفي اللعبة السياسية تأخذ بعين الاعتبار الحقائق التي ذكرت والافتراضات الواقعية عن الحالة الأردنية بحيث تكون مسئولة عن الوصول إلى المرحلة القادمة مع ضرورة التركيز على استقرار الأردن وأمنه بما يؤدى إلى عملية تقدم تراكمي ترضي كل الأطراف خاصة الطرف الغائب الحاضر في هذه اللعبة السياسية وهو المواطن الأردني (الرأي العام) الذي يجب أن يكون له القول الفصل في تقييمه لأداء نخب اللعبة السياسية، وهو يعتمد على وسائل الإعلام في إصدار الحكم المبدئي على توجهات اللاعبين، وعليه فالمطلوب من الإعلام الدقة والموضوعية في تقديم البيانات الصادقة ليتمكن المواطن من إصدار الحكم العقلاني، وبناء على ما تقدم يتطلب الأمر أن يقوم وزير الإعلام بإرسال الرسائل بشكل بسيط ودقيق.
(ضم الحراك الشعبي إلى طرف الحكومة هو هدف اللعبة)
إذن نحن أمام لعبة سياسية يجب أن يتم فيه الإدراك بشكل جدي وجلي ويجب أن تبنى القرارات بناء على بيانات ذات مصداقية عالية وحسابات عقلانية لكل فعل ورد فعل مع أهمية إدراك ومعرفة نهاية اللعبة، وهو ضم كل الحراك الشعبي تحت جناح الحكومة، مع الإبقاء على بعض القوى المعارضة من أجل المحافظة على نكهة الديمقراطية، وإذا ما أتقنت مجموعة صنع القرار الرسمي هذه اللعبة وتوقعت سلوكيات المجموعة غير الحكومية تكون قد فازت في اللعبة بحيث يخضع الجميع للمشاركة في شروط هذه اللعبة التي يجب أن يكون فيها جميع الفاعلين على مستوى عالي من العقلانية وأن تكون حسابات سلوكياتهم مدروسة بشكل كمي قابل للقياس فلا أحد منهم يريد أن يبقى في المعارضة إلى الأبد. المطلوب من المراقب العلمي والباحث الاستراتيجي المحايد رصد سلوكيات الطرفين بشكل يومي بما فيه السلوكيات اللفظية والمادية والتحذير من الرد القوي أو عدم الرد أو الرد المبالغ فيه في كل القضايا، خاصة أن الحالة الأردنية وصلت بالكثير إلى مطالبة الحكومة بسلوكيات تعيد هيبة ومكانة ودور الدولة، وللنقاش بقية!