اخبارالبلد - ستة آلاف عاملٍ تقريباً يعملون على حوالي 2800 سيارة توزيع غاز في المملكة، هؤلاء العمال يرزحون يومياً، ولمدة تزيد على ثماني ساعات تحت قصف ما يسمى النغمة الموسيقية التي تطلقها مكبرات الصوت في سيارات توزيع الغاز، صحيح أن النغمة الموسيقية لتوزيع الغاز مرخصة حسب التعليمات الرسمية، ولكنها مرخصة بشرطين: أولهما أن تكون النغمة متقطعة فلا يجوز أن تطلق بشكل مستمر طوال مدة تجوال سيارة الغاز، وبالضرورة لا يجوز أن تطلق طوال مدة تغيير عامل السيارة لأنبوبة الغاز في العمارة.
أما الشرط الثاني، والأهم فهو أن لا يخالف مستوى صوت النغمة تعليمات "الحد والوقاية من الضجيج لعام 2003 الصادرة عن وزارة البيئة” والتي حددت مستوى الصوت المسموح به في المناطق السكنية في المدن بين "60 نهارا – 55 ليلا ديسيبل”، أما المناطق السكنية في الضواحي فيتراوح ما بين "55 نهارا – 45 ليلا ديسيبل”.
اطلعت على تجربة لقياس مستوى صوت نغمة سيارات الغاز في إحدى ضواحي العاصمة بواسطة تطبيق مجاني موجود على الانترنت، وقد وجدت أنها تتراوح بين 87-108 ديسيبل، علما بأن مستوى الصوت الذي يسبب "الطرش” هو حوالي 85 ديسيبل، وصوت السيارة يُسمع عن بعد 1000 متر من موقع مرور سيارة الغاز، وقد صارت سيارات الغاز والباعة المتجولين يتبارون بينهم في رفع مستوى صوت المكبرات.
من جانب آخر فإن هذا التلوث الصوتي المستمر الصادر عن سيارات موزعي الغاز، والباعة المتجولين صار ظاهرة في جميع أنحاء المملكة، السيارات لا تتوقف وتتجول بشكل مستمر مسببة إزعاجاً مستمراً للمواطنين من أطفالٍ ومرضى وطلاب، والذين يقال إنهم يتعلمون عن بعد، وهو أيضاً تعطيل لأصحاب الأعمال الذين يعملون من منازلهم، أحد أساتذة الجامعات على محطةِ إذاعةٍ محليةٍ يقول: "صوتُ موزعي الغاز والباعة المتجولين عندي وعند الطلاب أثناء المحاضرة، يمنعني من تعليم الطلاب والقيام بعملي”.
منظمة الصحة العالمية في تقارير رصينة منشورة تقول: "إن الضجيج والتلوث الصوتي إضافة إلى أنه يؤدي إلى ضعف وفقدان السمع، فإنه أيضاً له تأثيراتٌ فسيولوجية خطيرة خاصةً على القلب والأوعية الدموية، ناهيك عن آثاره النفسية العقلية، ونذكر هنا أن قوانين الأردن، وتحديداً قانون حماية البيئة لعام 2017، يُغرم المؤسسة التي تخالف تعليمات منع الضجيج بمخالفة تصل إلى 1000 دينار.
خدمة توزيع الغاز خدمةٌ مهمةٌ ومطلوبة والحفاظ على رزق الناس من هذه الخدمة ضروري، ولكن توزيع الغاز بواسطة النغمة الموسيقية لم يعد مناسباً خاصةً في ظل انتشار الهواتف المتنقلة، والتطبيقات الذكية، التجوال العشوائي لسيارات الغاز جميعها- حسب دراسة أولية يقوم بها بعض الخبراء – تكلف موزعي الغاز حوالي أربعين ألف دينار يومياً، منها حوالي ألف دينار يومياً لتشغيل مكبر الصوت، وإن استخدام أي وسيلة تقنية ستخفض على الأقل 50٪ من هذا المبلغ، الأمر الذي سيشكل وفراً لموزعي الغاز، وبكل الأحوال فإنه لا يجوز أن يظل هذا المظهر غير الحضاري منتشراً في المملكة، خاصة وأنه مخالف لتعليماتٍ وقوانين صادرة عن الدولة، وهل على الدولة غير الوقوف على تطبيق القانون الذي يصدر باسم الشعب؟
عمالُ توزيع الغاز أغلبهم بلا ضمان، ولا تأمين صحي، وهم عرضة لهذا التعذيب اليومي أمام مرأى وسمع – إن ظل سمع – الجهات ذات العلاقة، وأهمها وزارة البيئة ووزارة الصحة ووزارة العمل.
أوقفت عاملاً لتوزيع الغاز متذمراً، فرد علي بحسرة "وكلّ الله يا أستاذ إحنا انطرشنا من زمان، بس لقمة العيش صعبة”، باسم هذا العامل وأقرانه نناشد وزير البيئة ووزيرة الطاقة للعمل فوراً على وقف هذا المظهر غير الحضاري في شوارع المملكة، واستبدال طريقة الإعلان عن توزيع الغاز بطريقة أخرى تمنع التلوث الصوتي والبيئي، وإلى ذلك الحين – الذي نرجو ألا يطول-، فإننا نتطلع لحملة أمنية فورية لوقف الاعتداء على القانون، ولتطبيق التعليمات، وخفض مستوى الصوت الصادر عن سيارات موزعي الغاز والباعة المتجولين إلى المستوى المسموح به قانوناً، إحنا مش ناقصين جنابك!.