هكذا وصف المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني حال الوكالة في كلمته أمام اللجنة الاستشارية للوكالة في اجتماعها الافتراضي، والمنشورة على موقع الوكالة الرسمي بتاريخ 23/ 11/ 2020، حيث ذكر السيد لازاريني في كلمته، "أن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها الأونروا الى حافة الهاوية دون وجود أموال في متناول اليد أو تعهدات مؤكدة لتغطية شهرين من الرواتب، وفي مكان آخر من كلمته قال: "إن هذه الأزمة تحدث في سياق المحاولات المتزايدة للتخلص من الأونروا وقضية اللاجئين".
وكان السيد عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي للأونروا، صرح لوكالة معاً يوم الثلاثاء الموافق 15/ 12/ 2020، أن الأونروا لا تزال تعاني من عجز مالي يقدر بـ88 مليون دولار أمريكي، وأن ما يتوفر للأونروا حتى اللحظة هو تغطية كاملة لمصاريف البرامج ونحو 52% من الرواتب، مضيفاً: "نحن بحاجة إلى 22,5 مليون دولار لتغطية رواتب شهر ديسمبر الجاري"، وأكد أنه في حال تسلم هذا المبلغ ستُرحل الأونروا مبلغ 65,5 مليون دولار للعام 2021، الأمر الذي يعني نفاد الأموال في نهاية شهر كانون الثاني أو شباط المقبلين، أي عودة الأزمة المالية مرة أُخرى إلى صلب الأحداث.
في الواقع ليست هذه المرة الأولى التي تعاني فيها الأونروا من عجز مالي في موازنتها، فطوال عقود عملت الوكالة دون تمويل كاف، لا سيما أن تمويلها وفقاً لتفويضها بموجب قرار تأسيسها رقم (302) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1949 كهيئة مؤقتة تابعة للأمم المتحدة يُجدد تفويضها كل (3-5) سنوات، يتم بواسطة المساهمات الطوعية من أعضاء المجتمع الدولي وليس من خلال الموازنة العامة للأمم المتحدة التي تساهم بنسبة لا تتجاوز 5% من موازنة الأونروا، وتغطي بشكل خاص رواتب الموظفين الدوليين، فيما تغطي المساهمات الطوعية رواتب باقي الموظفين وبرامج عمل الأونروا في مناطق عملها الخمس (سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة)، الأمر الذي أدى إلى تقليصٍ متكررٍ في أنشطة محدودة في برامج الوكالة المعتادة (التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية).
ويبدو هنا أن العجز المالي هذه المرة هو الأضخم والأخطر الذي يواجه الأونروا منذ الإعلان عن تأسيسها، سواء من حيث حجم العجز، أو من حيث أسبابه وغاياته.
فمن حيث الحجم، بلغت قيمة العجز هذه المرة وفقاً لقول المفوض العام 115 مليون دولار، فيما بلغت العام 2015 ما قيمته 101 مليون دولار، وقد اعتُبر هذا العجز في حينه الأضخم الذي تتعرض له الأونروا على الإطلاق.
أما من حيث الأسباب، فتعود مباشرة إلى قرار إدارة الرئيس الأمريكي ترامب العام 2018 بوقف تمويل الأونروا في سياق جملة القرارات التي اتخذها ضد الفلسطينيين لإجبارهم على الاستسلام للرؤية الإسرائيلية لمعالجة الصراع، إذ تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر الجهات المانحة للأونروا بواقع 365 مليون دولار سنوياً، أي ما يوازي ثلت الميزانية السنوية للوكالة التي تقدر بـ1.24 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى تراجع مساهمات باقي المساهمين من المجتمع الدولي.
ومن حيث الغايات، فإنها تتجلى في محاولات إسرائيل الواضحة استثمار تبني الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس ترامب الرؤية الإسرائيلية لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي للخلاص من اللاجئين الفلسطينيين باعتبارهم مصدر تهديد استراتيجي بعيد المدى على هوية الدولة اليهودية، وذلك انطلاقاً من حقيقةٍ مفادها أن وكالة غوث وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين قد أخفقت في تنفيذ المهام التي حددها تفويض الأمم المتحدة العام 1949، الأمر الذي يستدعي، وفقاً للمذكرة رقم (240) الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) في شهر أيلول 2020 لكلٍّ من كوبي ميخائيل ومايكل حاتول، إعادة التفكير في جدوى عمل الأونروا.
وقد جادل الكاتبان في مذكرتهما بأن الأونروا فُوضت عند تأسيسها العام 1949 بمهمتين اثنتين، الأولى تقديم العون والمساعدة لللاجئين الفلسطينيين من خلال مشاريع توظيف وعمل بالتعاون مع الحكومات المحلية في المنطقة، والثانية هي الاستعداد للحظةٍ في المستقبل تتوقف فيها المساعدات الدولية، وذلك بالتشاور مع حكومات الشرق الأدنى.
وعلى ضوء هذا الفشل، ترى المذكرة أن هناك حاجة لإعادة التفكير الاستراتيجي حول مدى نجاعة استمرار عمليات وكالة الأونروا في مناطق عملياتها الخمس.
وقد قاربت المذكرة موضوعة اللاجئين من جانبين، الأول حول المعايير العملانية للأونروا، إذ تجادل المذكرة في هذا الشأن بأن هناك خللاً في تعريف الأونروا لتفويضها من الأمم المتحدة، علاوةً على عدم التزامها في تعريف من هو اللاجئ الذي تنطبق عليه معايير الاستفادة من خدمات الوكالة، خاصة في نقل صفة اللجوء من السلف للخلف، وذلك على الرغم من تلقي الكثير من الخلف جنسية البلدان التي يتواجدون فيها، وعلى الرغم كذلك من انخراط البعض الآخر منهم في أعمال ونشاطات إرهابية.
ويتعلق الجانب الثاني بإجراءات العمل، وترى المذكرة هنا أن البرامج التي تقدمها الوكالة كالتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية هي مهام حصرية للحكومات التي يوجد في بلدانها اللاجئون، ولا يجوز أن لا تسمح الوكالة لغير الفلسطينيين بالعمل في هذه المجالات.
ولمعالجة هذه المشكلة، اقترحت المذكرة ثلاثة بدائل، يدور الأول حول إصلاح شمولي للمنظمة من حيث تفويضها، وبنيتها الهيكلية، ومعايير الاستفادة من خدماتها، إضافة إلى التزامها بخطة شاملة لدمج اللاجئين في المجتمعات التي يوجدون فيها، ويتعلق الثاني بتحويل مهام الأونروا إلى الحكومات المحلية في مناطق عمل الوكالة الخمس، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، ويدعو الثالت إلى دمج الأونروا المتخصصة حصرياً في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين (UNHCR) المفوضة برعاية اللاجئين من كل بلدان العالم.
تجدر الإشارة هنا إلى حرص أعضاء الحزب الجمهوري الذين لا يُخفون تبنيهم المطلق للرواية الإسرائيلية على استغلال ما تبقى للرئيس ترامب من أيام في البيت الأبيض، ودفعه إلى إصدار قرارات تنفيذية تحقق ما تسعى إليه إسرائيل من غايات بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، حيث وجه عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري دوج لامبورن، ومعه 21 عضواً من الكونغرس بتاريخ 11/ 12/ 2020 رسالة للرئيس ترامب يدعونه فيها إلى كشف السرية عن التقرير الذي اعتمده الكونغرس العام 2012، الذي يرى أن صفة اللاجئ تنطبق على الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين العام 1948، ولا تنطبق على خلفهم.
واللافت في هذا الشأن ما كشفته صحيفة "ليموند" الفرنسية ونشره السيد تحسين بلال يوم الخميس الموافق 24/ 12/ 2020 على صفحة الوطن الخليجية، عن وجود خطة إماراتية- إسرائيلية لإنهاء عمل الأونروا دون حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
فقد ذكرت "ليموند" أن الخطة تقوم على ثلاثة أهداف، يدعو الأول منها إلى إنشاء منظمة بديلة عن الأونروا تحمل أي اسمٍ غير الأونروا، وتهدف إلى تقديم خدمات إنسانية لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة دون اشتراط صفة اللجوء لمن يتلقى الخدمة، ويدور الثاني حول تغيير جذري في تعريف اللاجئ، ويتعلق الثالث بتوطين اللاجئين في الدول التي يُقيمون فيها من خلال منح الدول التي طبّعت مع إسرائيل جنسيتها للفلسطينيين الذين يقيمون على أراضيها، علاوةً على العمل على تشجيع الفلسطينيين على الهجرة إلى الدول الأوروبية.
وختاماً، لن تقدم هذه المقالة توصيات، إذ إن هدفها هو تسليط الضوء على التهديدات التي تواجه الفلسطينيين، لا سيما في ما يتعلق بقضية اللاجئين التي تُعدّ أحد أوجه القضية الفلسطينية، وتمثل الأرض والممتلكات الفلسطينية وجهها الآخر، لإثارة نقاش مسؤول في الأوساط الفلسطينية، لا سيما في أوساط النخب السياسية والقانونية لتطوير ما يلزم من استراتيجيات لمواجهة هذه التهديدات.