منذ وقت طويل ونحن ننتظر مرحلة جديدة من «الانتعاش»، ليس الاقتصادي فقط ، وانما السياسي والاجتماعي ايضاً، كنا نقول بأن الدولة وهي تودع مئة عام وتستعد لاستقبال المئوية الجديدة أصبحت قوية بما يكفي لنبدأ عهداً جديداً يشعر فيه الناس بالاسترخاء العام، ويطمئنون الى مستقبلهم بدل ان يتشككوا فيما اذا كان ثمة مستقبل لهم ام لا؟
بدل سؤال «الانتعاش» لا يتردد بعض المسؤولين -وبعضهم على حق احياناً- بتذكيرنا اننا في غرفة «الإنعاش»، اقتصادنا في غرفة الإنعاش، وقطاعنا الزراعي في غرفة الإنعاش، وكذلك التعليم والجامعات والاعلام، لدرجة اننا أصبحنا نقف جميعاً في ردهة الانتظار الممزوج بالخوف أمام هذه «الغرفة» ، ولا نملك الا الدعاء بأن يمن الله على كل هذه القطاعات الحيوية التي تعاني من المرض بالشفاء العاجل.
لا اريد -بالطبع- ان استسلم لهذه المقولة التي سمعناها وما زلنا على ألسنة بعض المسؤولين، ليس فقط لأنها تدفع الى اليأس وتعبر عن حالة من «العجز» وعدم القدرة على تقديم الحلول والمعالجات، وانما لأنها -ايضاً- غير صحيحة من جهة ما نمتلكه من مقدرات وثروات بشرية وطبيعية تمكننا من تجاوز «الإنعاش» وغرفه واجهزته الى مرحلة من الانتعاش والنمو والازدهار ايضاً.
لكن حين ادقق فيما وصلنا اليه من «انتكاسات» في المجال العام، وفي عنوان إرادة الإصلاح بشكل محدد، أدرك تماماً ان فكرة «الانعاش» هذه تبدو وجيهة تماماً، فنحن بحاجة فعلاً الى «مسؤولين» قادرين على تشخيص حالتنا العامة، ثم الخروج فوراً من هذا التشخيص الى احترام ما يفترض «ما يجب أدق» علينا ان نفعله لنصارح الناس بأننا لم نخرج فقط من «عنق» الزجاجة كما وعدتنا احدى الحكومات السابقة وانما لم نخرج من غرفة الإنعاش ايضاً.
يا سادة، لقد تعب الناس من حالة «الإنعاش» التي يتناقلها المسؤولين واحداً تلو الآخر، ومع كارثة «كورونا» تراكم التعب وانسدت أبواب الامل، ولم يعودوا بحاجة لمن يذكرهم بأنهم تحت رحمة أجهزة «الإنعاش»، فهم يدركون ذلك تماماً، لكنهم يريدون ان يفتحوا عيونهم على غرف أخرى يرون من خلالهم اقتصاداً مزدهراً، وخدمات متوفرة، وسياسة تتحرك على عجلات الحرية والعدالة والمساواة، يريدون ان يتمتعوا «بعيش كريم» ومناخات سليمة وهمّة عالية تشدهم الى بناء بلدهم والاعتزاز بمنجزاتهم والاحتفاء بدولتهم وهي تعبر الى المئة الثانية.
هل تريدون ان أدلكم على وصفة «للانتعاش»؟ ثقوا بالأردنيين فقط، بإبداعاتهم وطاقاتهم وكفاءاتهم، اتركوا لهم ان يتحركوا لينجزوا، لا تضعوا «العراقيل» أمامهم ولا القيود والإجراءات «الصعبة» في أيديهم، افتحوا نوافذكم لسماع أصواتهم وانصافهم، أعيدوا لهم الثقة، بأنفسهم وبدولتهم ومجتمعهم...عندئذ ستخرج قطاعاتنا كلها من غرفة «الإنعاش» الى ساحات الانتعاش والازدهار...
المسألة أبسط وأهون مما تتصورون... جربوا ولن نخسر شيئاً.