اخبار البلد - شروق طومار
بمراقبة السجال الدائر هذه الأيام حول الاستمرار في التعليم عن بعد أو إعادة فتح المدارس، وحين النظر إلى الأرضية التي تجري مناقشة المسألة بناء عليها وإلى طرح المدافعين عن أي من البديلين، يتبدى لنا بوضوح أننا ما نزال حتى هذه اللحظة نتعامل مع الموضوع بأفق ضيق باعتبار الأمر مؤقتا ومربوطا فقط بالحالة الوبائية.
ما تم تحقيقه في التعليم عن بعد خلال فصلين دراسيين لم يلامس أدنى درجات الرضا، هذا أمر لا يمكننا الجدال فيه. لكن سؤالا مهما يجب أن نسأله لأنفسنا: هل كان التعليم الوجاهي لدينا قبل الجائحة تعليما نموذجيا؟ وهل ستكون العودة إلى هذا التعليم بشكله وآلياته التي كانت أمرا صحيا ومرضيا؟
لا يمكن إعادة الزمن إلى الوراء. هذه حقيقة يجب علينا أن نتذكرها جيدا حين النظر إلى هذه القضية تحديدا وأثناء محاولتنا الإجابة عن السؤال الأهم اليوم، ما هو التعليم الذي نريد؟ وما هو التعليم الذي يضمن لنا فرصة للبقاء؟
خلال السنوات الماضية، تراجعت نتاجات النظام التعليمي الأردني بشكل حاد، وظهر ذلك في نتائج طلبتنا في الامتحانات الدولية، وفي ترتيب الأردن بين دول العالم في التقارير العالمية المتعلقة بجودة التعليم، وأيضا باعتراف رسمي من وزير تربية وتعليم أسبق بوجود أمية قرائية وكتابية وحسابية بين طلبة المدارس في مراحل عمرية مختلفة.
التعليم لدينا لم يكن على ما يرام إذن حتى قبل كورونا، وكان واضحا أن نظامنا التعليمي يعاني اختلالات كبيرة، وأنه غير مؤهل لإكساب الطلبة المعرفة والمهارات التي تلزمهم لمنافسة أقرانهم من الدول الأخرى، وغير قادر حتى على منح كثيرين منهم الحدود الدنيا من المهارات التي ينبغي أن يحصل عليها أي شخص مندرج في تعليم منتظم.
ضمن نظام يقوم على عملية التلقين ويختزل التعليم بعملية نقل المعلومة من المعلم إلى المتعلم، ويتعامل مع الطلبة بعقلية «خط الإنتاج الصناعي» دون أي نظر إلى ما بينهم من فروقات في القدرات والذكاءات والميول والاهتمامات، لم يكن من الممكن ولا من المتوقع أن نحقق أي درجة نجاح في تجربة التعلم عن بعد سواء بالشكل الذي فرضته علينا الجائحة أو بأي شكل آخر يدمج بين التعلم عن بعد والتعلم الوجاهي وهو ما ستفرضه علينا اشتراطات العصر إن نحن أردنا أن نكون داخله.
هذا النظام التعليمي هو نظام قاصر، يجعل المتعلم سلبيا وغير قادر على التفكير والتحليل والنقد، وغير ممتلك لأي من مهارات التعلم الذاتي والبحث والاستقصاء واستنباط المعرفة، وهذا هو أحد أكبر الأسباب في فشل التجربة، وهو ما أدى إلى وقوع ضغط هائل على الأهل وتورطهم بشكل كامل في عملية تدريس أبنائهم لأن مهمة التلقين انتقلت من المعلم في الصف إلى الأم أو الأب في المنزل.
هذا التعليم لم يعد قادرا على تلبية ما يحتاجه المتعلم وما نتطلع إليه من عملية التعليم، في هذا العالم المتغير والسريع الذي يتطلب منا تسليح أبنائنا بمهارات التفكير والتعلم وتدريبهم على كيفية تطويرها وتنميتها وتوجيهها حسب الحاجة واستخدامها في علاج المشكلات التي تواجههم وتواجه مجتمعاتهم، وجعل عملية التعلم لديهم عملية حياتية مستمرة.
بالتأكيد، وضمن هذا الواقع البائس فإن عودة الطلبة إلى مدارسهم ولو كانت عودة جزئية هي أقل ضررا عليهم من بقائهم في هذه العزلة التي يعيشونها اليوم بلا أي تفاعل إنساني واجتماعي وبلا أي قيمة مضافة من الناحية المعرفية وحتى الأكاديمة.
لكن هذه العودة، ليست الأفضل بأي حال من الأحوال إن نحن بقينا عالقين في نظمنا التعليمية والمدرسية البالية.
هذه النظم ليست فقط كفيلة بتدمير عقول الطلبة وقتل إبداعهم، بل ستجعلهم أفرادا عاجزين وغير مؤهلين للنجاح في الحياة وحجز مكان لائق لهم في هذا العصر وفي المستقبل. هذا ما ينبغي أن يكون هاجسنا وشغلنا الشاغل في هذه المرحلة أكثر من أي شيء آخر.