منذ أن تأكدت خسارته للانتخابات الرئاسية، لم يترك دونالد ترامب يوماً يمر، من دون أن يسجل مفاجأة من العيار الثقيل...هو يعرف أن أيامه في البيت الأبيض باتت محدودة، والأهم أنه يعرف بأنه خسر الانتخابات، لكن الرجل وضع لنفسه مسارين اثنين: مسار الطعن والتشكيك والتقاضي لقلب نتائج الانتخابات كأولوية أولى، ومسار الاستعداد لحرب السنوات الأربع القادمة مع بايدن وإدارته، حرب سيكون الكونغرس وشوارع المدن الأمريكية وميادينها، ساحات لها.
وصل الرجل إلى طريق مسدود، جميع أوراقه باتت محروقة بالكامل، لكنه وهو الذي «كالثور في عناده»، لم يغادر المضمار بعد، وهو ما انفك يتوعد خصومه، ويجد متسعاً من الوقت لتصفية الحسابات مع مساعديه الذين «خذلوه»، بل ويوقع قرارات إعدام نادرة في هذا التوقيت الأمريكي...دونالد ترامب، رئيس من قماشة أخرى، وهو إذ نظر بعين كسيفة لقضاة المحكمة العليا الذين عينهم بنفسه، وخاض حرباً من أجل إيصالهم إلى قوس المحكمة، رأى أن خذلانهم له ليس نهاية المطاف، و «أن معركته قد بدأت للتو».
كيف سيواصل ترامب معركته مع بايدن والديمقراطيين ومن تخاذل من الجمهوريين والمساعدين وكبار المسؤولين؟ ...ثمة في واشنطن من يرجح أن يتخذ الرجل من الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية على ما هو مرجح، والشوارع والميادين، ساحة للمواجهة...لن يذهب الرجل إلى بيته أو تقاعده المريح، ولن يتفرغ لإنشاء مكتبته الرئاسية كما فعل أسلافه، لديه مهمة يتعين إنجازها، واستحقاق ينتظره بفارغ الصبر: انتخابات 2024.
كل ما يفعله الرجل منذ أن لاحت في الأفق، إرهاصات فوز بايدن، هو «تفخيخ» طريق الأخير إلى البيت الأبيض، وجعل مهمته صعبة للغاية...لن يغادر الرجل البيت الأبيض، قبل أن يصفي حساباته الأخيرة، مع خصومه ومعاونيه المتخاذلين سواء بسواء...البيت الأبيض، تحول إلى عنوان للفوضى وعدم الاستقرار، وكل مسؤول هناك، يتحسس رأسه، فلا أحد يعرف من سيكون «التالي» على سكة العقوبات والتصفيات.
أما في السياسة الخارجية، فالرجل لا يترك مناسبة تمر دون زرع ملفاتها بالألغام...لم يترك وسيلة إلا واتبعها للإطاحة بحل الدولتين على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي...استنفد كل وسائل الضغط والابتزاز، لتسريع مسارات التطبيع العربي الإسرائيلي، والأرجح أنه لن يغادر البيت الأبيض، قبل أن يجرف دولة عربية أو اثنتين إلى هذا المسار، ومعهما دولتان إسلاميتان من العيار الثقيل كذلك.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد...إيران بدورها حظيت، وما زال متوقعاً لها أن تحظى بكثير من «عنايته»... مزيد من العقوبات التي تطالها وحلفاءها في طول الإقليم وعرضه، مزيد من الاغتيالات والعمليات السيبرانية...الرجل ينتظر بفارغ الصبر، لكي تقوم طهران بمغامرة الرد على استفزازاته، حتى يطلق لنفسه العنان، في قلب المنطقة رأساً على عقب، وبعدها، هيهات أن ينجح بايدن وإدارته، في إعادة الأمور إلى سكتها.
الصين، روسيا وتركيا، لا أحد ينجو من «عقوبات ربع الساعة الأخير»...فالأسابيع الخمسة الأخيرة، بالكاد تكفي لزرع كل هذه الطرق بالألغام...على أن للرجل «ثأرا شخصيا» على ما يبدو مع الرئيس المنتخب، لذا رأيناه يستثمر الوقت والجهد والصلاحيات الرئاسية لوضع نجله هنتر على سكة التحقيقات الضريبية، ويحمل على الإعلام الذي لا يولي هذا الملف التغطية الكافية...كان يمكن لهذا الموقف أن يكون مفهوماً في سياق الحملات الانتخابية، لكن الإصرار عليه اليوم، لا معنى له، سوى الحقد والثأر الشخصيين، هذا هو رئيس الدولة الأعظم، الذي شغل العالم طيلة أربع سنوات، ويأبى أن يغادر بهدوء.