بقلم فراس الور
وقفت في ذات مرة في منزل قامة موسيقية مصرية كبيرة، و في الحقيقة كان الشباب قد غادر حياته منذ فترة لتقسو عليه سنين الشيب و الكبر بالعمر، فكان عمره حينها يناهز الثمانين عاما، و اذكر انني سألت زوجته عن آخر تكريم استلمه من مهرجان محلي للاغنية في مصر... فابتسمت ابتسامة غريبة و كانها تعاتب الزمن بمراره على ما حل بزوحها و قالت لي و الحزن يتلألأ في عينيها... هل تقصد الدرع الخشبي... اتبعني... تبعتها الى منطقة في صالة منزلها الفسيح لألهث من منظر خزانة مليئة بالدروع و الاوسمة البرونزية... و قالت لي عندنا منها الكثير....
بقيت هذه الجملة منذ عشرة سنين عالقة في ذهني عن من يمر بخريف العمر من الفنانين... و عن الدروع التي توزع قيامة واجب للفنانين على المسارح بالمهراجانات و بيداي مدراء و ضيوف يتسترون وراء ابتسامات منافقة و اقنعة ميلبومين و ثاليا الشهيرة... لتخفي نفاقهم القذر...مسرحية اصبحت موضه يتقنها معظم الفنانين و لفيف عالم الفن المعاصر... يسلمون هذه الدروع بابتسامات عريضة ثم ينسون من استلمها...فيقولون في سرهم "اخذ درعا و تكريمه حينما صعد وسط عاصفة تصفيق من زملائه و ضيوف المهرجان... ابتسم للكاميرا و صورته الصحافة ثم تزل عن المسرح و هو يحمل الدرع من المهرجان...كرمناه و اعطيناه حقه... لحقناه قبل ان يموت بالغد المجهول،" و اذا مات قد يتذكره احد مدراء او اعضاء المهرجانات ليكرم ذكراه... هو و حظه... او قد يكتب عنه بضعة مقالات رفع عتب انه قامة و قيمة بالسينما... او قد يتم نسيانه الى الابد فهنالك من قد لا يتذكره بدقيقة صمت حتى و جسمه لم يبرد في تابوته و قد توفي منذ فقط بضعة شهور... ويحكم يا حثالة المجتمع
لا تظنوا يوما انكم بهذه الدروع الخشبية ستعطون الفنانين الكبار قيمتهم.... فسيأكلها السوس بعد بضعة سنين... و نحاسها سيصيبه الصدأ و ذهبها سينكشف زيفه انه فالصو و سيتبين مدى قيمة الفنان عندكم... لا ليوم تظنوا ان بخلكم بدقيقة صمت و بكل لؤم على ارواح من توفوا حديثا سيشفي غيرتكم من الفنانين الناجحين فهذه المواقف الصفراء لن تنجح الا بكشف قلوبكم السوداء و المعتمة من كثرة كبت نفاقكم في قلوبكم و نواياكم المريضة في انفسكم...فانتم مجرد مرض في هذا العالم تزيدونه بشاعة و ظلام متناسين ان الله هو الذي يرى حقيقة ما في داخلكم و قد تنجحوا بمسرحية الاقنعة هذه في كل دورة مهرجان...الا الله...فلا يأبه باقنعتكم لانه يرى ما بداخلكم من سواد الشياطين و الابالسه...
الذي يعطى الفنانين الكبار مثل الراحل الكبير محمود ياسين خلوده و قيمته الحقيقية و قامته هو الجمهور و ارشيفه الفني... لا دروع الزبالة التي تعطوها بمهرجناتكم القذرة و اجندة اعمالكم المريضة و المشبوهة...فصدقا عشاق اعماله من يحافظون على شعبيته و شعبية اعماله حتى بعد وفاته و خلودها عبر عقود الزمن العابرة...ألعل موهبة الفنان تاتي من ادارة مهرجاناتكم الناقصة التي تخطئ و قد تكون خاضعة للشلاليات النتنه ام ان التوفيق و ارزاق البشر هي منكم؟. ..فمن تظنون انفسكم بقراركم هذا الذي حدث بدورة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
42
بعدم تكريم من رحلوا عنا كمهرجان الجونه... الفنان محمود لم يبرد بعد خبر وفاته بالصحف و هو مثل بالسينما و اعطى عطاء الكبار و نجح نجاحا ساحقا بافلامه و اعماله فشعبيته حول الوطن العربي تشهد له و لمن شاركه افلامه و بطولات اعماله... فبهذه السهولة تختارون اجتياز حدث وفاته و كأن شيئ لم يكن؟... و السبب عدم تكرار ما حدث بمهرجانات آخرى... لا هذا عذر تافه... افعل انت كمهرجان الصواب و لا تربط نفسك مع غيرك... ام انكم اعتقدتم ان الفنان محمود مات و لن يكن هنالك من يطالبكم بحقه الفني؟...ارسلت عدالة الله لكم جمهوره الكبير ليفضح سواد قلوبكم وفنزع القناع عن وجوهكم و بين حقيقتكم فصرتم تتخبطون و تبحثون عن ما هو الكلام المناسب لترقعوا رقع السفالة التي تلزق بادارتكم الناقصة...
ان كناقد فني متنازل حاليا او بالغد على اية تكريمات قد اكون مستحق لها بالمهراجانات بالقاهرة السينمائي او غيره، لذلك و الحمدلله اتكلم بحرية من دون ان اخاف من خسارة رضى احد لكي يحرمني من جنة التكريمات الخشببة و البرونزية التي يستلمه الفنانين و كبار النقاد و الكتاب، فاعمل بمهنة النقد حبا بها لا لكي يصفق لي جمهور بمسارح المهرجانات بانني اتسلم جائزة ام غيرها فتركتها لعشاق التباهي و الظهور امام عدسات الصحافة...تركتها لمن يهوى ارتداء الاقنعة و التمثيل على الناس...اترك لكم القذارة الخشبية التي تنحتوها و تزينوها لتبدو ذات قيمة من الخارج و تسموها دروع... صدقا لو وفرتم ثمنها و صرفتوها على اعمال البر و الخير احسن بكثير و فيها ثواب اعظم لكم و لانفسكم...
انهوا مسرحياتكم التافهة... فقد انتهت بالنسبة الي مع ما حدث مع الفنان الكبير محمود ياسين...و قبل ان انهي خطابي هنيئا لكم بالسينما العالمية....فاين مصر من افتتاح الدورة 42 من مهرجان القاهرة السينمائي؟ لا يجب ان يسما مهرجان ميلانو السينمائي الدولي فهو يحتفل بفيليني...