يترتب على هروب الباخرة " سور" من ميناء العقبة اي خسائر مادية على الأردن, فالباخرة تحمل شحنة ذرة فاسدة وتنتظر حكما قضائيا يسمح لها بالمغادرة بحمولتها التالفة . لكن حادثة الهروب بحد ذاتها تعد استهتارا بالقوانين الاردنية, وتحديا سافرا لسيادة الدولة . والاخطر من ذلك انها تكشف عن ثغرة واسعة في عمل المؤسسة الادارية .
لن نستبق نتائج التحقيق في الحادثة, ولسنا بصدد الدخول في سجال حول الجهة التي تتحمل المسؤولية او الانخراط في حملة التلاوم المتبادلة بين اطراف القضية في العقبة فذلك كله متروك للجنة تقصي الحقائق التي شكلها رئيس الوزراء وباشرت عملها منذ يومين .
لكن تفاصيل هروب الباخرة تشير بوضوح الى وجود خلل كبير في آليات عمل المؤسسات قام طرف ما مستفيد من عملية الهروب باستغلالها لاخراج الباخرة من ميناء العقبة وتأمين مغادرتها المياه الاقليمية الاردنية من دون ان يعترضها احد . ونحن هنا لا نتحدث عن قارب صغير او مركب لصيد السمك تسلل في الليل, وانما عن باخرة عملاقة يتطلب ابحارها خطوات طويلة وهي بالضرورة لا تسير بسرعة الصاروخ.
ميناء العقبة تعامل من قبل مع بواخر واجهت المشكلة نفسها وظلت راسية لاشهر طويلة في الميناء كان اخرها الباخرة " هيلينا " التي لم تتمكن من المغادرة الا بعد الانتهاء من الاجراءات القضائية, ورغم الظروف المعيشية الصعبة لطاقمها الا انه لم يستطع مغادرة سطح الباخرة . فما الذي حصل هذه المرة وكيف كان بمقدور قبطان " سور " ان يتلاعب بصف عريض من الموظفين والمراقبين والمسؤولين ويغادر الميناء من دون ان تتمكن جهة واحدة من اعتراضه ?
هل يمكن ان يكون ذلك مجرد اهمال وظيفي, ام ان تداخل الصلاحيات بين عدة جهات وغياب التنسيق بينها اعطى المجال لهروب الباخرة ?
الاسئلة كثيرة, لكن الاجابة عليها مناطة بجهات التحقيق .
على العموم هذه الحادثة وغيرها من حوادث سابقة تشير الى وجود مشكلة عميقة في انظمة عمل المؤسسات الرسمية وتراجع كفاءتها وفعاليتها عما كانت عليه في السابق . والامر الذي يبعث على القلق ان الحادثة تظهر ان بالامكان اختراق المؤسسات وانتهاك قوانينها لخدمة مصالح خاصة واستغلال النفوذ لتمرير عمليات غير شرعية تخالف القوانين . ربما يتمكن المحققون من تحديد المسؤوليات في حادثة الباخرة سور ومحاسبة المقصرين, لكن الحادثة مناسبة لاجراء مراجعة شاملة لاوضاع الادارة الاردنية لتصويب الاختلالات واستعادة الهيبة التي تعرضت للاعتداء في العقبة . 0