اخبار البلد ـ غالبا ما يكون الغموض مقصودا وناجما عن إخفاء الحقيقة، ولكن يبدو أننا نواجه مرحلة تبدو فيه الحقيقة نفسها غامضة بسب الغموض الذي يكتنف فيروس كورونا، الذي ما يزال يعجز العالم عن التصدي له بصورة قاطعة، وما تزال الدول غير واثقة من أنها تسيطر عليه سيطرة تامة، والأخطر من ذلك أنه يشن موجات متتالية، وكأنه جيش يعمل وفق خطة هجومية منظمة.
خلال موجته الأولى لجأت معظم الدول إلى وسيلة الحظر الشامل لمنع انتشاره على نطاق واسع، ونجحت تلك الطريقة إلى حد بعيد، ولكن على حساب عجلة الاقتصاد وتعطل الحياة العامة في جميع قطاعاتها، ولم يكن ممكنا الصمود لفترات طويلة حتى تم التراجع عن الحظر تدريجيا، ولم نكن نعرف أننا سنصل إلى مرحلة يصعب معها الجمع بين إجراءات الوقاية الصارمة وعودة الأمور إلى طبيعتها.
هذه أول مرة في التاريخ الحديث تتساوى فيها الدول على اختلاف إمكانياتها، والشعوب على اختلاف ثقافاتها في التعامل مع خطر وبائي، فما يقال في أميركا وأوروبا وروسيا والصين، يقال في بقية الدول بشأن إجراءات السلامة، وما تعبر عنه الشعوب من تذمر أو رفض لتلك الإجراءات يجعل العالم وكأنه مدينة واحدة يعيش أهلها أزمة الجائحة بالطريقة نفسها، تسيطر عليهم حالة الغموض حول المستقبل الذي أصبح يحسب من يوم إلى يوم، وكأنهم بانتظار إعصار مدمر!
سواء كان الغموض على مستوى الفرد أو الجماعة، أو على مستوى الدول ومؤسساتها فإن علماء التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية قد وضعوا علما لإدارة الغموض، أو الإدارة في ظل الغموض من أجل تعليم القيادات على اختلاف مسؤولياتها كيفية الوصول إلى العناصر التي تبدد بها الغموض كي تصل إلى نتائج مضمونة، وحلول ناجعة للمشكلات التي يواجهونها، وخاصة تلك الخارجة عن إرادتهم وقدراتهم الذاتية.
حالة الاستياء والخوف التي يعيشها الإنسان هنا في الأردن هي ذاتها التي يشعر بها الناس في كل مكان، وربما يعود السبب إلى أن العالم يواجه الوباء بأساليب الإدارة التقليدية، ومن دون تعاون قوي وفاعل، وذلك ما قد يفسر شعورنا بأن هذا الغموض يحتاج إلى إدارة من نوع آخر حان الوقت للتعرف عليها واستخدامها، قبل أن يقودنا الحال نحو مزيد من الغموض واليأس والقلق.