لا زلت أذكر النكتة المشهورة "في الزمانات" التي كانت تنظر إلى الانتخابات الأمريكية على أنها المثال والمعيار للحرية والشفافية والنزاهة.
النكتة تقول إن عربيا وبريطانيا وأمريكيا التقوا في حانة وتبادلوا أطراف الحديث حول الانتخابات، فقال البريطاني إن بلاده باتت متقدمة وتمتلك من التكنولجيا بحيث تستطيع معرفة نتائج الانتخابات في أقل من 24 ساعة من إغلاق الصناديق، فقال الأمريكي: أنتم متخلفون إذا، أصبح لدينا القدرة على معرفة النتائج في أقل من 12 ساعة من إغلاق الصناديق. ثم نظروا إلى العربي وقالوا له: ما هي الأمور عندكم؟ فضحك العربي وقال: كلكم متخلفون، نحن نعرف النتائج قبل إغلاق الصناديق!!
لم تعد أمريكا هي أمريكا، ومن يعتقد ذلك فإنه يغمض عينيه. مؤشرات كثيرة تدل على تراجع قوة ومكانة المجتمع الأمريكي. قد تكون الولايات المتحدة لا زالت القوة الأكبر في هذا العالم، لكن تلك القوة لم تعد كما كانت وهي في تراجع، والهوة بينها وبين القوى الكبرى الأخرى تتقلص شيئا فشيئا.
مشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية مؤشر آخر على تراجع التفوق الأمريكي، وتراجع القيم الديمقراطية الأمريكية؛ فهناك مخاوف واتهامات بالتزوير، وهناك إصرار على إعلان الفوز سحبا للبساط وكضربة استباقية للخصم، بحيث لم تعد الديمقراطية الأمريكية مثالا يحتذى ونموذجا يتطلع الكثيرون إليه.
في السابق كنا ننتظر نتائج الفرز ليعلن الرئيس الذي سيجلس في المكتب البيضاوي، أهو الرئيس الديمقراطي الذي يحمل شعار حزبه الحمار، أم الرئيس الجمهوري الذي يحمل شعار حزبه الفيل. أما اليوم فالجميع ينتظر كيف سيتصرف الفيل حال فوز الحمار؟ وهل سيرضى الفيل بالنتيجة أم سيعمد إلى الدخول إلى محل الزجاج؟!!!
عندما تفقد القوة العظمى جزءًا من قوتها الناعمة، وعندما تبدأ بفقدان قدرتها على تسويق قيمها وثقافتها، فذلك أبرز مؤشر على بداية تراجعها.