الحقيقة ان امريكا كانت حاضرة على الدوام في حياتنا الفلسطينية ولكن بأوضاع مختلفة أولها ... كخصم نعمل على هزيمته وطرده من منطقتنا كما فعلت فيتنام، ثم كطرف فعال في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولكنه لفرط تأييده ودعمه لإسرائيل يصلح لأن يكون مشروع تحييد ولو نسبي.
وبعد ذلك شاءت الاقدار والتطورات السياسية ان تُنصَّب أمريكا وسيطا احتكاريا في زمن السلام فعلت ذلك مع مصر والأردن ومعنا، وفي مرحلة أخرى صارت أمريكا ولية امرنا في زمن الحاجة الى الدعم المالي منها وممن تمون عليه، ثم جاءت اقدار أخرى نقلت أمريكا الى وضع جديد في حياتنا، أي الخصم السياسي في زمن ترمب.
وبين يدي الانتخابات الحاسمة التي جرت بالأمس صارت أمريكا مشروع مفاضلة بين بايدن المعتدل ولو بنسبة محدودة تجاه الفلسطينيين، وترمب المتطرف وبلا حدود ضدهم.
اذا فإن أمريكا في حياتنا كانت دائمة الحضور وما تزال ولكن كما اشرت في البداية بأوضاع مختلفة.
في تعاملنا مع أمريكا كان الحوار معها والحصول على اعترافها هدفا مركزيا جندنا من اجله جيوشا من الأصدقاء، وحين نضج سعينا دفعت القيادة الفلسطينية ثمنا باهظا لبدء الحوار المباشر مع الإدارة الامريكية لم يكن الثمن في حينه متناسبا مع ما تم الحصول عليه ذلك ان اقصى ما حدث هو لقاء تم مع السفير الأمريكي في تونس نُظر اليه على انه اقل بكثير من الاعتراف، غير ان هذا الحوار الاولي الذي تم وفق الشروط الامريكية لم يحدث التطور المرتجى على صعيد اعتماد منظمة التحرير كطرف مباشر في مفاوضات مباشرة او غير مباشرة مع إسرائيل، كان حوارا هشا يقف على رمال متحركة، فقد ابتلعته هذه الرمال وانهته تماما بفعل عملية فاشلة قام بها فصيل فلسطيني صغير لم تلحق أي قدر من الأذى بإسرائيل الا انها الحقت كل الأذى بالحوار الذي قدمت القيادة الفلسطينية الغالي والنفيس لبدءه.
نامت الأمور وجرت اتصالات على مستوى بعض أعضاء الكونجرس، وكانت كلها علنية وأخرى مع بعض رجال الاستخبارات وكانت سرية، أضافة الى اتصالات كانت تجريها وبصورة مباشرة مع الإدارة شخصيات فلسطينية تحمل الجنسية الامريكية واخرى تحمل جنسيات أوروبية، وكانت توصف في حينها بالاتصالات التمهيدية لاستئناف الحوار المباشر.
تمت محادثات أوسلو السرية بمنأى عن مشاركة أمريكية ولو انها كانت تعرف كل صغيرة وكبيرة تدور فيها، وحين وصلت أوسلو الى الاتفاق استولت أمريكا على العملية بعد ان كانت استضافت محادثات عقيمة افرزتها عملية مدريد التي قال بعض المراقبين وحتى بعض أعضاء الوفد المفاوض في واشنطن انها طُعنت في ظهرها.
دخل عرفات ومعاونوه ممن كانو مسجلين على قوائم الإرهاب الى البيت الأبيض ، وحدثت المصافحة التاريخية مع رابين، ووقع أبو مازن مهندس أوسلو أوراق ما اتفق عليه تحت الأضواء الكاشفة المبهرة، وتسنى لعرفات بعد رحلة طويلة مع الأمريكيين ان يقول انه اكثر رئيس في العالم زار البيت الأبيض وقال كلينتون ان اشهى غداء حصل عليه كان في غزة، تلك كانت ومضة قبل الانطفاء ذلك قبل ان يوصي زائر فلسطين وإسرائيل خلفاؤه بأن لا يستقبلوا عرفات في البيت الابيض نظرا لما حدث في كامب دافيد، حيث فشل كلينتون في دخول التاريخ من بوابة انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان الرجل تواقا لهذا الإنجاز وهو في الأسابيع الأخيرة لولايته.
ظلت أمريكا في حياة وحسابات ورهانات الفلسطينيين حاضرة بقوة وكما قلت بأوضاع متعددة، بدأت بمشروع استقطاب ودعم وانتهت حتى الان بواقعة غدر وطعن في الظهر في سنوات ترمب الأربع العجاف.
كتبت هذه المقالة التي لم اراع فيها تسلسلا دقيقا للأحداث والوقائع، وانما عناوين للمراحل التي مرت بها العلاقة الامريكية الفلسطينية، كتبت هذه المقالة مع فتح اول صندوق اقتراع مباشر في أمريكا حيث التنافس بين بايدن وترمب، ولا اعرف حتى لحظة كتابة هذه المقالة من سيفوز وما الذي سيحدث بعد فوز احدهم وفشل الاخر، الا ان ما ينبغي ان يكون معروفا على وجه اليقين ان حكايتنا ليست مع من يجلس في البيت الأبيض على أهمية ذلك ، لأن حكايتنا في الأساس مع انفسنا فنحن في حال فوز ترمب او بايدن لسنا على ما يرام.