كنت قد كتبت مقالاً نشر في «الغد» في حزيران من العام الماضي، حاولت أن أُشخص من خلاله سبب تأخرنا في تطبيق الرعاية الصحية الشاملة، وأشرت من خلاله الى أن أحد أهم المعوقات أمام المضي قدماً في تحقيق هذا المشروع الحيوي هو العقلية الانطوائية التي تحكم القطاعات المختلفة، وطالبت في نهاية المقال إلى التحول من الانكفاء على الذات الى فضاء التشاركية والتكاملية، كما نوهت الى أنه قد تم تقزيم دور وزير الصحة الذي أصبح مجرد مدير إداري للمستشفيات والمراكز المنضوية تحت وزارته عوضاً عن أن يكون قائدا ومخططا استراتيجيا للقطاع الصحي برمته.
وبما أن الحكومة في طريقها الى المغادرة ساعة كتابة هذا المقال؛ فإنني لا أجد حرجاً في تقديم شهادة بحق رئيسها الدكتور عُمر الرزاز، فقد كان أكثر الرؤساء الذين عرفتهم التزاماً بتطبيق نظام الرعاية الصحية الشاملة، والأكثر معرفةً بمشاكل القطاع الصحي، وقد حاول أن يحشد لهذا المشروع الخبراء من القطاعات كافة والذين خلصوا الى العديد من الأفكار التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تتبلور في خطة شاملة كان سيعلن عنها قبل أشهر قليلة، وهذه الأفكار لو قدر لها أن ترى النور؛ كان يُمكن أن تُشكل الأساس الذي يُبنى عليه نظام متكامل للرعاية الصحية تشارك فيه القطاعات كافة، لكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي في قطاع تتشابك فيه المصالح والرؤى، ويتمترس فيه كل طرف في خندقه، فقد تم إفشال المشروع ووأده في مهده من قبل قوى الشد العكسي من داخل الحكومة ومن خارجها، والذين كانت معارضتهم للمشروع واضحة خلال الاجتماعات المختلفة؛ وإن كان البعض يظهر غير ذلك.
إننا ندفع اليوم ضريبة غياب الرؤية، وإحجام المسؤولين المتعاقبين عن اتخاذ قرارات جريئة لكنها ضرورية لأي برنامج إصلاحي، وتعاملهم مع هذا القطاع الحيوي والمهم على مبدأ تسيير الأعمال وإطفاء الحرائق!! فأي إصلاح حقيقي يبدأ بالتزام سياسي، وجرأة في الطرح، وشمولية في النظرة.
لقد كانت هُناك محاولة جادة خسرناها لتطبيق الرعاية الصحية الشاملة تماماً كما خسرنا قبل ثلاثة عقود فكرة المؤسسة الطبية العلاجية، التي أفشلت بالأدوات نفسها وإن اختلفت الشخوص، ويبدو أننا سنعود اليوم الى الاستعاضة عن هذا المشروع بالرفع الوهمي لنسب المؤمنين صحياً والفرق بين الأمرين شاسع.