يكثر الحديث هذه الأيام عن تأثيرات جائحة كورونا على الانتخابات النيابية القادمة المنوي إجراؤها في العاشر من الشهر القادم، حيث يدعو البعض إلى تأجيل إجراء هذه الانتخابات بسبب تزايد عدد الإصابات اليومية في الفترة الأخيرة. وفي هذا الإطار، لا بد من التأكيد على أن الحق في الصحة العامة يُقدّم على الحق في المشاركة السياسية، حيث يمكن التضحية بأي حقوق سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تثبت للأفراد في مقابل تكريس الحق في الحياة والسلامة البدنية لهم.
في المقابل، فإن هناك العديد من المسائل الدستورية الجوهرية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند المفاضلة بين إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها المحدد أو تغييره. فبصرف النظر عن مشروعية صدور القرار بتأجيل الانتخابات، فإن المصلحة العليا للدولة تقتضي الإسراع في انتخاب مجلس نواب جديد، خاصة وأن الهيئة المستقلة للانتخاب تؤكد بأن أقصى إجراءات السلامة والصحة العامة قد جرى تكريسها في التعليمات التنفيذية الصادرة عنها، بحيث يمكن أن يكون التوجه لمراكز الاقتراع والفرز يوم الانتخاب أكثر أمانا من التواجد في بعض الأماكن العامة.
ومن الاعتبارات الأخرى التي تدفع نحو التمسك بانتخاب مجلس نواب جديد في الموعد المحدد من قبل الهيئة المستقلة، أن الأمر الملكي بحل مجلس النواب قد استتبعه أثار دستورية تتمثل أهمها بتفعيل نص المادة (73/1) من الدستور، التي تشترط عند حل مجلس النواب أن يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية خلال أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ الحل. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن تاريخ حل مجلس النواب الثامن عشر كان 27/9/2020، وبأن المجلس الجديد يجب أن يجتمع بحد أقصى بتاريخ 27/1/2021، فإن المدة الدستورية التي يمكن أن يتم فيها تغيير موعد إجراء الانتخابات القادمة ستكون محدودة.
ومن الإيجابيات الأخرى التي يجب التركيز عليها لسرعة انتخاب مجلس النواب أن الحياة ستعود من جديد إلى السلطة التشريعية. فمجلس الأعيان الذي جرى تعيينه قبل أيام موقوف عن العمل بحكم الدستور بانتظار انتخاب المجلس النيابي. كما أن من شأن عودة الروح لمجلس النواب أن يشرع المجلس المنتخب في ممارسة رقابته السياسية على الحكومة ممثلة برئيسها والوزراء فيها. فمنذ تفعيل العمل بقانون الدفاع في شهر آذار الماضي، غاب الدور الرقابي للمجلس النيابي على أعمال الحكومة وقراراتها – وتحديدا أوامر الدفاع وآلية تنفيذها – بشكل يتعارض مع أسس النظام النيابي في الأردن، والذي يفترض أن يكون كل من رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين أمام مجلس النواب المنتخب.
إن الحاجة ماسة لإعادة إحياء السلطات العامة في الدولة وعدم تغييبها. ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلا، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة انتشار الوباء الذي أصاب رئيسها الحالي، الذي هو المرشح للانتخابات الرئاسية مطلع الشهر القادم، لم تطرح فكرة تأجيل الانتخابات القادمة بشكل جدي، وذلك بسبب الاعتبارات الدستورية التي توجب وجود رئيس دولة يمارس صلاحياته التنفيذية، والتي تظهر أهميتها في هذه الظروف الاستثنائية.