الانتخابات النيابية المرتقبة بعد أقلّ من شهرين تشكّل استحقاقاً مهمّا وتحدّيا لكل الأطراف السياسية والمجتمعية. فالكل يدرك حجم الصعوبات والتحديات التي تواجه الأردن داخلياً وخارجيا في ظل تداعيات أزمة كورونا وصفقة القرن وخطة الضم وموجة التطبيع العاتية عربياً مع دولة الاحتلال.
وفي مواجهة هذه التحديات الخطيرة والاستثنائية تصرّ الحكومات على إدارة الأزمات بالطريقة التقليدية، ولا تبدي حرصاً على إنتاج برلمانات قوية أو تحقيق شراكة مع القوى السياسية والمجتمعية تسهم في بناء جبهة وطنية قوية وموحّدة تعزّز موقف الدولة وتسند جهودها في حماية الأردن من تداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية غير التقليدية.
ليس ثمة تفاؤل بأن تنتج الانتخابات النيابية القادمة، إن إجريت في موعدها المحدد، برلماناً أفضل حالاً من سابقيه. فمخرجات قانون الانتخابات الذي يعدّ الأسوأ في نظر كثيرين بين كل القوانين التي أجريت وفقها الانتخابات، واضحة وتغلق الأبواب على أي مفاجآت سارة على صعيد تركيبة البرلمان القادم.
ومع غياب الديمقراطية الحقيقية وآليات التداول السياسي والحكومات البرلمانية في معظم الدول العربية، تغدو خيارات الحركات السياسية أكثر من معقدة. فهوامش العمل السياسي المتاحة ضيّقة، ومساحات التأثير الفعلي في القرار محدودة، وفرص التغيير الإيجابي في الواقع السياسي ضئيلة، والسلطات السياسية تصرّ على التحكّم والانفراد بإدارة المشهد السياسي، ولا ترغب بشراكة سياسية أو مجتمعية حتى مع القوى المحسوبة عليها والمتماهية مع موقفها وتوجهها السياسي.
أمام هذا الواقع تغدو الحركات السياسية أمام خيارين أحلاهما مرٌّ: خيار المدافعة السياسية والتكيّف مع المعطيات الصعبة ومحاولة استثمارها لتطوير الواقع السياسي والاجتماعي وتوسيع المساحات الضيقة بصورة تدريجية، أو خيار الخروج من مساحة الفعل السياسي ورفض العمل ضمن سقوفها المحدودة.
لقد جرّبت بعض الحركات السياسية والقوى المجتمعية في الأردن ودول عربية أخرى خيار مقاطعة الانتخابات بهدف تشكيل ضغط على أصحاب القرار من أجل تطوير الواقع السياسي ومعالجة الاختلالات الجوهرية وإقرار قوانين انتخابات تعبّر بشفافية عن إرادة المواطنين لا عن إرادة من يتحكم بإدارة العملية الانتخابية. وفي كل المرات كانت نتائج المقاطعة سلبية، وعوضاً عن تحقيق أهدافها أسهمت في مزيد من تجريف الحياة السياسية وإفراغها من مضمونها.
مفاعيل مقاطعة الانتخابات كانت تنتهي خلال وقت قصير لا يتجاوز أسبوعاً أو أسبوعين، دون تشكيل ضغط سياسي يذكر على جهات القرار، والنتيجة غياب وانزواء قوى سياسية ومجتمعية مهمّة عن ساحة التأثير والتفاعل والمدافعة السياسية لأربع سنوات عجاف، وترك المجال بالكامل للحكومات لتصول وتجول في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية دون أي معارضة أو نقد أو ضغط حقيقي.
وإذا كانت مشاركة الأحزاب والقوى السياسية في برلمانات الدول الديمقراطية مهمة من أجل تشكيل الحكومات وتنفيذ الرؤى والبرامج السياسية والاقتصادية، فإنها تغدو أكثر إلحاحاً وأهمية في الدول التي تكتفي بمساحات ضيقة وشكلية من الممارسة الديمقراطية. فإذا كانت المشاركة السياسية في الدول الديمقراطية نوعاً من الترف أو الرغبة بممارسة السلطة فإنها تشكل في الدول غير الديمقراطية حالة ضرورة لمواجهة التفرّد السياسي والتغوّل على حقوق المواطنين ودرء الأخطار الخارجية.
في الحالة الأردنية، كحال معظم الدول العربية، تشكل المقاطعة، عملياً، خيار الراحة والهروب من مواجهة الاستحقاقات الوطنية والخروج من المعادلة السياسية إلى ساحة العزلة والانزواء وغياب الفاعلية السياسية، حيث فشلت كل محاولات تعويض الغياب عن ساحة الفعل السياسي في البرلمان، ولم تنجح أي من القوى السياسية والمجتمعية في الأردن أو غيره من الدول العربية بوضع برامج عملية لمرحلة ما بعد المقاطعة والغياب عن البرلمان، ولم يكن الأمر أكثر من ردود فعل احتجاجية غاضبة.
السياسة فن الممكن والمتاح، بعيداً عن الرغبات والأمنيات والانفعالات وردود الفعل الغاضبة، والعمل السياسي في نهاية المطاف عملية تفاعل وتدافع وانخراط إيجابي في الواقع السياسي بهدف تطويره ضمن موازين القوى المتاحة وليس المرغوبة فحسب.
ما يميّز الحركات السياسية الناضجة والمؤثرة، واقعيتها السياسية التي تدفعها للتعاطي مع الواقع دون التسليم به أو الخضوع لموازينه ومعطياته، هي تعمل على تطويره وتغييره ضمن الحد الأقصى المتاح، شعارها في ذلك "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"، وهي لا تهرب من مواجهة استحقاقاته بحجة أن ظروف العمل السياسي وشروط المشاركة في مؤسساته غير متوفرة.
ثمة أسئلة تحتاج إلى إجابة في التعامل مع الاستحقاق الانتخابي القادم:
•هل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة التحديات التي يتعرض لها الأردن، من صفقة قرن وخطة ضم وموجة تطبيع واستهداف لدور الأردن ومحاولة لدفعه نحو خيارات وانحيازات وتموضع يخدم توجهات أطراف إقليمية مندفعة نحو دولة الاحتلال وضد خيارات الشعوب؟
•وهل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة تجريف الحياة السياسية واضعاف مؤسسات العمل السياسي وإفراغها من مضامينها ومن ممارسة أدوراها ولو بالحد الأدنى من تشريع ورقابة على أداء الحكومات وأجهزتها المختلفة؟
•هل تخدم المشاركة أم المقاطعة قوة التعبير الإعلامي عن الموقف السياسي إسناداً للدولة في مواجهة الأخطار الخارجية ونقداً للممارسات الخاطئة في الداخل؟
•وهل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة تغوّل الحكومات على الحريات العامة وعلى حقوق المواطنين التي شهدت تراجعاً حادّاً في الآونة الأخيرة في ظل قانون الدفاع؟
• وأخيراً، هل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة أزمة نقابة المعلمين إثر القرارات الحكومية بتعليق عمل النقابة واعتبارها ملفاً منتهياً بات وراء ظهر الحكومة؟
في العمل السياسي تحكّم القوى السياسية والنخب المجتمعية العقل لا العاطفة في اتخاذ قرارتها والمفاضلة بين خياراتها، بعيداً عن الانفعالات اللحظية وردود الفعل المتعجّلة. فالقرار السياسي يهدف إلى تحقيق المصالح ودرء الأخطار، لا التعبير عن رغبات أو تخوفات أو أوهام كذبتها تجارب الواقع.
وفي مواجهة هذه التحديات الخطيرة والاستثنائية تصرّ الحكومات على إدارة الأزمات بالطريقة التقليدية، ولا تبدي حرصاً على إنتاج برلمانات قوية أو تحقيق شراكة مع القوى السياسية والمجتمعية تسهم في بناء جبهة وطنية قوية وموحّدة تعزّز موقف الدولة وتسند جهودها في حماية الأردن من تداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية غير التقليدية.
ليس ثمة تفاؤل بأن تنتج الانتخابات النيابية القادمة، إن إجريت في موعدها المحدد، برلماناً أفضل حالاً من سابقيه. فمخرجات قانون الانتخابات الذي يعدّ الأسوأ في نظر كثيرين بين كل القوانين التي أجريت وفقها الانتخابات، واضحة وتغلق الأبواب على أي مفاجآت سارة على صعيد تركيبة البرلمان القادم.
ومع غياب الديمقراطية الحقيقية وآليات التداول السياسي والحكومات البرلمانية في معظم الدول العربية، تغدو خيارات الحركات السياسية أكثر من معقدة. فهوامش العمل السياسي المتاحة ضيّقة، ومساحات التأثير الفعلي في القرار محدودة، وفرص التغيير الإيجابي في الواقع السياسي ضئيلة، والسلطات السياسية تصرّ على التحكّم والانفراد بإدارة المشهد السياسي، ولا ترغب بشراكة سياسية أو مجتمعية حتى مع القوى المحسوبة عليها والمتماهية مع موقفها وتوجهها السياسي.
أمام هذا الواقع تغدو الحركات السياسية أمام خيارين أحلاهما مرٌّ: خيار المدافعة السياسية والتكيّف مع المعطيات الصعبة ومحاولة استثمارها لتطوير الواقع السياسي والاجتماعي وتوسيع المساحات الضيقة بصورة تدريجية، أو خيار الخروج من مساحة الفعل السياسي ورفض العمل ضمن سقوفها المحدودة.
لقد جرّبت بعض الحركات السياسية والقوى المجتمعية في الأردن ودول عربية أخرى خيار مقاطعة الانتخابات بهدف تشكيل ضغط على أصحاب القرار من أجل تطوير الواقع السياسي ومعالجة الاختلالات الجوهرية وإقرار قوانين انتخابات تعبّر بشفافية عن إرادة المواطنين لا عن إرادة من يتحكم بإدارة العملية الانتخابية. وفي كل المرات كانت نتائج المقاطعة سلبية، وعوضاً عن تحقيق أهدافها أسهمت في مزيد من تجريف الحياة السياسية وإفراغها من مضمونها.
مفاعيل مقاطعة الانتخابات كانت تنتهي خلال وقت قصير لا يتجاوز أسبوعاً أو أسبوعين، دون تشكيل ضغط سياسي يذكر على جهات القرار، والنتيجة غياب وانزواء قوى سياسية ومجتمعية مهمّة عن ساحة التأثير والتفاعل والمدافعة السياسية لأربع سنوات عجاف، وترك المجال بالكامل للحكومات لتصول وتجول في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية دون أي معارضة أو نقد أو ضغط حقيقي.
وإذا كانت مشاركة الأحزاب والقوى السياسية في برلمانات الدول الديمقراطية مهمة من أجل تشكيل الحكومات وتنفيذ الرؤى والبرامج السياسية والاقتصادية، فإنها تغدو أكثر إلحاحاً وأهمية في الدول التي تكتفي بمساحات ضيقة وشكلية من الممارسة الديمقراطية. فإذا كانت المشاركة السياسية في الدول الديمقراطية نوعاً من الترف أو الرغبة بممارسة السلطة فإنها تشكل في الدول غير الديمقراطية حالة ضرورة لمواجهة التفرّد السياسي والتغوّل على حقوق المواطنين ودرء الأخطار الخارجية.
في الحالة الأردنية، كحال معظم الدول العربية، تشكل المقاطعة، عملياً، خيار الراحة والهروب من مواجهة الاستحقاقات الوطنية والخروج من المعادلة السياسية إلى ساحة العزلة والانزواء وغياب الفاعلية السياسية، حيث فشلت كل محاولات تعويض الغياب عن ساحة الفعل السياسي في البرلمان، ولم تنجح أي من القوى السياسية والمجتمعية في الأردن أو غيره من الدول العربية بوضع برامج عملية لمرحلة ما بعد المقاطعة والغياب عن البرلمان، ولم يكن الأمر أكثر من ردود فعل احتجاجية غاضبة.
السياسة فن الممكن والمتاح، بعيداً عن الرغبات والأمنيات والانفعالات وردود الفعل الغاضبة، والعمل السياسي في نهاية المطاف عملية تفاعل وتدافع وانخراط إيجابي في الواقع السياسي بهدف تطويره ضمن موازين القوى المتاحة وليس المرغوبة فحسب.
ما يميّز الحركات السياسية الناضجة والمؤثرة، واقعيتها السياسية التي تدفعها للتعاطي مع الواقع دون التسليم به أو الخضوع لموازينه ومعطياته، هي تعمل على تطويره وتغييره ضمن الحد الأقصى المتاح، شعارها في ذلك "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"، وهي لا تهرب من مواجهة استحقاقاته بحجة أن ظروف العمل السياسي وشروط المشاركة في مؤسساته غير متوفرة.
ثمة أسئلة تحتاج إلى إجابة في التعامل مع الاستحقاق الانتخابي القادم:
•هل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة التحديات التي يتعرض لها الأردن، من صفقة قرن وخطة ضم وموجة تطبيع واستهداف لدور الأردن ومحاولة لدفعه نحو خيارات وانحيازات وتموضع يخدم توجهات أطراف إقليمية مندفعة نحو دولة الاحتلال وضد خيارات الشعوب؟
•وهل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة تجريف الحياة السياسية واضعاف مؤسسات العمل السياسي وإفراغها من مضامينها ومن ممارسة أدوراها ولو بالحد الأدنى من تشريع ورقابة على أداء الحكومات وأجهزتها المختلفة؟
•هل تخدم المشاركة أم المقاطعة قوة التعبير الإعلامي عن الموقف السياسي إسناداً للدولة في مواجهة الأخطار الخارجية ونقداً للممارسات الخاطئة في الداخل؟
•وهل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة تغوّل الحكومات على الحريات العامة وعلى حقوق المواطنين التي شهدت تراجعاً حادّاً في الآونة الأخيرة في ظل قانون الدفاع؟
• وأخيراً، هل تخدم المشاركة أم المقاطعة مواجهة أزمة نقابة المعلمين إثر القرارات الحكومية بتعليق عمل النقابة واعتبارها ملفاً منتهياً بات وراء ظهر الحكومة؟
في العمل السياسي تحكّم القوى السياسية والنخب المجتمعية العقل لا العاطفة في اتخاذ قرارتها والمفاضلة بين خياراتها، بعيداً عن الانفعالات اللحظية وردود الفعل المتعجّلة. فالقرار السياسي يهدف إلى تحقيق المصالح ودرء الأخطار، لا التعبير عن رغبات أو تخوفات أو أوهام كذبتها تجارب الواقع.