اشتدت جولات الحرب الكونية ضد وباء كورونا، هذا العدو البشري الذي فرض عقوبات جماعية كانت سفرا من الخيال في البلاد المتقدمة، التي تتحكم بمصير الكرة الأرضية وقاطنيها، وكانت الدولة الأردنية جزءا من هذه المنظومة، تعاملت مع فصولها بطريقة أذهلت العالم، فسجلت درجة النجاح الكاملة لتصبح المرجع والقدوة، فكلنا فخر بالإنجاز، بالرغم من الاخفاق اللاحق، نتيجة أخطاء تنظيمية، كتبنا عنها وأعطيناها حقها بالشرح والمناقشة واقتراح الحلول والنصائح، وربما واقعنا الوبائي اليوم يلزمنا بالتكاتف والعمل الجماعي، حتى نتمكن من عبور هذا النفق لشاطىء الصحة والأمان.
البداية للحديث محيرة، فكل نقاط المناقشة بنفس الدرجة من الأهمية وتستحق العنوان، لأبدأ القول أن الإصابة بالوباء ليست عيباً اجتماعياً أو مبرراً للتشمت، كفيلاً لطرد الأصحاب والأقارب، فهي عدوى فيروسية موسمية، تسببها فيروس طبيعي بدرجة تقلبات وتحورات جينية منحته صفة الشراسة، وربما الإخفاقات السياسية والصراعات الاقتصادية، والأنانيات القطرية والقارية، كانت كفيلة بالتعاملات السرية والإعلان؛ فصنعت منها حرباً عالمية مدمرة، أرهقت بالدرجة الأولى أصحابها وعرابيها، فتأثرنا بها كجزء من المنظومة الدولية دون ذنب.
هناك فئة اجتماعية مستهترة بوجود الوباء لأنها مشككة بفصوله وصعوده البياني ضمن معطياته الأفقية والعامودية، فمن شكوك بأنه وليد مختبرات طبية بجهود علماء لدوافع سياسية ضمن سباق التسلح، وقفز هذا الفيروس عن السيطرة، أو نقله بوسيلة ما لدول الهدف، إلى تشكيك على المستوى الوطني بالوباء، لأوضح هنا بصريح العبارة من واقع المهنة والمتابعة والمسؤولية الوطنية والأخلاقية والمهنية: أن هذا الفيروس هو فيروس طبيعي من سلسلة الفيروسات المعروفة بحديتها وشراستها، وتأثرنا المحدود داخل حدود الدولة الأردنية ببداية الجائحة العالمية نتيجة حصرية لجهود ملكية شخصية بقيادة المعركة ورسم معالم التعامل معها، بحرص مشدد على أركان بناء الإنسان الأردني وسلامته، فتفعيل أمر الدفاع نص بوضوح على حرية المواطنين وسلامة ممتلكاتهم، والحرص الملكي على قطاعي الصحة والتعليم بتقديم التسهيلات الضرورية وتوفير المتطلبات بأولوية، لقناعة دورهما المؤثر والرئيسي بهيكل التقدم والبناء، إضافة لتوفير أركان الشق الغذائي المكمل، ضمن بيئة الأمن والأمان التي تمنح الأمل والطمأنينة.
علينا أن نعترف بشكوك الثقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية (التي اختفت أثناء الجائحة) والمواطن، فهناك شرخ قديم متجدد، تجمد بنتيجة النصر على الوباء بمحطاته الأولى، وأعيد احياءه من جديد بعد الانتكاسة الأخيرة وتضاعف عدد الحالات نتيجة اخفاقات إدارية وثغرات الحدود ضمن مسلسل محبط بحلقاته، ونتيجة مضاعفة لتخبط التصريحات الإعلامية المتناقضة، فأصبحنا ضحايا اجتهادات شخصية دون الاستناد على خلفايات علمية وفي جزئية منها دون اختصاص أو إلقاء اللوم على الآخرين، فأصبح التحدي للإرشادات الحكومية شكلا من أشكال المقامرة والمغامرة والسلوك والبطولة، وتمثل ذروته بعدم القناعة بالنصائح الطبية والسلوكية، لتصفير منحى الوباء مجدداً. ويقيني أن التحدي الذي نمارسه كأشخاص سوف ينعكس عليناً جميعاً، بتأثيرات ضيقة على المسؤولين، فعدم ارتداء الكمامة طول الوقت وبالشكل الصحيح مثلا يشكل دعوة صريحة للإصابة بالمرض اللعين ونقل العدوى.. وللحديث بقية..