التجربة الحزبية في الأردن بدأت العام 1921 بحزب الاستقلال الذي كان معاديا للاستعمارين الفرنسي والانجليزي، وقد كان هذا الحزب نسخة «أردنية « عن حزب الاستقلال السوري، وشكل رئيس الحزب السوري الجنسية رشيد طليع أول حكومة « أردنية « في عهد الإمارة واستمر تواجد الحزب في الحكومات المشكلة حتى بداية الأربعينيات.
التجربة الحزبية الأردنية ما قبل وحدة الضفتين كانت في اغلبها أحزاب تتجاوز الأردن وقضاياه المحلية الخاصة نحو التطلع القومي السائد آن ذاك، إلا أنه وأمام انهيار احلام الوحدة عموما ووحدة سورية الكبرى خصوصاً ظهرت أحزاب أردنية في تلك الفترة تنادي بحماية شرق الأردن وأهله وخاصة من خطر وعد بلفور وإمكانية ضم شرق الأردن لذلك الوعد، وتميزت أحزاب تلك الفترة في اغلبها بالتصالح مع النظام والدعوة الى تثبيت حكم الأمير.
في مرحلة ما بعد الوحدة بين الضفتين، تبلورت تيارات حزبية ثلاثة هي: الإسلامي والقومي واليساري ودون الدخول في التفاصيل فقد مارست الأحزاب بتياراتها الثلاثة وخاصة القومي واليساري معارضة للنظام الأردني وعملت سرا وعلنا للانقلاب عليه، وهو ما أدى إضافة الى احتلال الضفة الغربية العام 1967، إلى قرار الدولة بوقف العمل الحزبي، علما أن ذات الأحزاب استمرت في العمل سرا كما استمرت بمناصبة النظام العداء وقد انضمت الفصائل الفدائية لهذا العداء وخاصة في فترة السبعينيات. يستثنى من ذلك جماعة الإخوان المسلمين الذين تحت غطائهم الاجتماعي استمروا بالعمل، الأمر الذي يفسر احتلالهم الجزء الأكبر من الساحة السياسة على الأرض.
مر على عودة الديمقراطية حوالي ثلاثين عاما وقد صدر عن الدولة ومؤسساتها خطاب جديد بالترحيب بالحياة الحزبية والأحزاب، فقد ورد مثلا في وثيقة « الأردن أولا» ما نصه «لا ديمقراطية من دون أحزاب سياسية..» أما الأوراق النقاشية لجلالة الملك فقد دعت صراحة في أكثر من موقع إلى تفعيل الحياة السياسية الحزبية تمهيدا لتشكيل حكومات برلمانية، ولكن ومع الأخذ بعين الاعتبار علنية وشرعية عملها فإن أثر الأحزاب أضعف من أثرها في مرحلة العمل السري، والوقوف على أسباب هذا الظاهرة يحتاج الى دراسة علمية عملية، ولكن في تصوري أن أحد أهم الأسباب أن الدولة وعقل المؤسسات السياسية في الدولة لم تتصالح للآن مع الدور الوطني للأحزاب وهي -متأثرة بذاكرتها عن تلك الأحزاب- تتعامل مع هذا الملف بكثير من التوجس، والدولة في هذا الشأن ليست على ذهن واحد، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن هناك ضعفا كبيرا في ممارسة وآليات العمل الحزبي كما أن هناك مشكلة حقيقية في ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب وعليه فإن أي اختلاف للرأي داخل الحزب غالبا ما يؤدي الى انشقاق أو تعطيل للعمل الحزبي وأدواته.
تجربة حزب التحالف المدني أثبتت لي شخصيا على الأقل أن العمل الحزبي لا يمكن أن يكون توفيقيا وأن الطريق الوحيد للعمل والانجاز هو العمل مع فريق متجانس كامل الانسجام في المبادئ التي يحملها وفي تبني الأشخاص المنضمين للحزب لتلك المبادئ في الحياة الخاصة قبل الحياة العامة، رغم مرارة التجربة فإنه لا يأس مع فشلها، ذلك أنها تشكل تراكما كميا ونوعيا للوصول الى التجربة الناجعة وخاصة وأن الواقع أثبت رغم كل الهجوم على مبادئ الحزب أن مبادئ الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على احترام الدستور والعمل الديمقراطي في المجالين العام والخاص وتكريس الحريات الشخصية والعامة في نطاق حزب برامجي يعنى بالقضايا الوطنية هو الطريق الى أردن مستقر مزدهر ديمقراطي، واننا مستمرون جنابك.