هذا الأمر لم يكن ممكنا في السابق لصعوبة النشر بسرعة إذ كان المتاح حينذاك تصوير الكتب بالطرق التقليدية عبر ماكينة تصوير الوثائق وتوزيعها على عدد محدود أو تمريرها للصحافة التي تتردد حتى في النشر خشية المساءلة القانونية؛ حالياً الأمر في منتهى السهولة، مجرد تصوير الكتاب عبر كاميرا الهاتف المحمول وإرساله لمجموعة على الواتس اب أو عبر الماسنجر كفيل وخلال ساعات بأن يقرأه مئات الآلاف وربما أكثر ويتحول الكتاب أو الوثيقة لمادة للتشويش والتشهير خاصة إذا كان متعلقا بقضايا حساسة.
الوثائق الرسمية هي وثائق «محمية» يُجرم من يقوم بتسريبها حسب قانون حماية أسرار وثائق الدولة لسنة 1971 بالإضافة لما ورد في قانون العقوبات وقانون العمل ومدونة السلوك الوظيفي التي تفرض على الموظف العام حتى إفشاء أو تسريب أي وثيقة رسمية، ومع ذلك نادراً ما يمر أسبوع دون تسريب وثيقة أو كتاب.
غالباً هناك أسباب عديدة وراء عملية التسريب قد يكون أبرزها صراع داخلي ضمن المؤسسة نفسها إما لرغبة في إفشال المسؤول المباشر أو تأليب الرأي العام ضده أو ضد الحكومة بشكل عام؛ وأحيانا تشعر بأن التسريب مقصود لقياس ردود الفعل أو توجيه الرأي العام، المشكلة هنا صعوبة إثبات مصدر التسريب لأن الوثيقة تمر في مراحل كثيرة سواء أثناء الإعداد أو الطباعة أو الأرشفة أو الإرسال وبالتالي تتوزع المسؤولية لتضيع في النهاية.
من الأمثلة التي تستدعي طرح السؤال حول جدوى تسريب الكتب والمراسلات الداخلية والتي يجب ألا تكون معروضة للعامة قبل البت في مضامينها حتى لا يتم إرباك الحكومة المرتبكة أصلاً في أزمة كورونا ما حصل قبل يومين عندما سُرب كتاب موجه من رئيس الوزراء لوزير المالية حول توصية للجنة الإعفاء الجمركي بشمول المتقاعدين من رتبة نقيب إلى ملازم بالإعفاء الجمركي.
الكتاب تم تسريبه ونشر في العديد من المواقع الإلكترونية وعلى صفحات مواقع التواصل وكان مدار حديث الناس لساعات حتى ظهر رد وزير المالية هذه المرة موجهاً لزميله وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء معتذراً عن قبول التوصية لأنها تتعارض مع سياسة الحكومة بوقف الإعفاءات وخطة الحكومة التي تهدف لتحقيق الاستقرار المالي.
المؤكد أن دائرة الجمارك العامة ممثلة في لجنة الإعفاء الجمركي تعرف جيداً السياسة الحكومية في هذا المجال وهناك قرارات صادرة عن مجلس الوزراء بهذا الخصوص، والجمارك هي دائرة مرتبطة مباشرة بوزير المالية والاصل أن يكون ممثلها في اللجنة مطلعا على مبررات الرفض التي أوردها الوزير المختص؛ فلماذا كل الإرباك الفائض عن الحاجة الذي منح الحلم مؤقتاً لفئة كبيرة من المتقاعدين وسرعان ما أحبطهم رد الوزير.
غياب المؤسسية والتنسيق المسبق بين الجهات الحكومية لا يقل في مردوده السلبي عن خطورة تسريب الوثائق، الأصل أن هذه القضايا تناقش داخلياً قبل أن تتحول لمنصات التواصل الاجتماعي فتتحول لقضية رأي عام تتحول الحكومة فيها لمتهم.