اخبار البلد- بقلم: محمد خروب
المُستحيلات عند العرب (ولبنان بلد عربي) ثلاث, وهي «الغول والعنقاء والخِلّ الوَفي», ولم يتبَنّ عرب اليوم كما السابِقون اي مستحيل آخر, رغم ما حفل به التاريخ العربي من مُستحيلات تجاوزتْ ما تواضع عليه العرب الاوائل, مثل الوحدة العربية وتحرير فلسطين وتكريس الديمقراطية وتداوُل السلطة, بل كل ما أنجزته البشرية من قوانين واعراف وأشكال حُكم, كالحكم الرشيد وحقوق الانسان وتمكين المرأة, وتأتي دعوة الرئيس اللبناني الجنرال عون الى اعلان لبنان «دولة مَدنية, لتثير المزيد من الألم والحزن وانعدام التفاؤل, الذي يُميّز راهننا العربي إثر دخوله مرحلة الانقراض, بعد مكوث طويل في مرحلة الانحطاط والتفكّك.
ولأن لبنان يحتفل اليوم بمناسبة كانت وما تزال موضع خلافات عميقة, وبخاصة في الكيفية التي تم خلالها إعلان «لبنان الكبير»، قبل قرن من الان, على لسان الجنرال غورو قائد قوات الاستعمار الفرنسي لسوريا «ومتصرفية لبنان» في العام 1920, وما يزال المؤرخون «يكتشفون» ويَكشِفون المذكرات والنصائح التي قدمها لبنانيون وفرنسيون لرهط المُتحمِّسين لاعلان لبنان الكبير, الذي شمل ضمن مساحات أُخرى بيروت وطرابلس, بما هما المدينتان اللتان تضمان اغلبية مسلمة, بل شكّلتا خزاناً لهذه الطائفة الداعية (خصوصاً طرابلس)..الى البقاء في الفضاء السوري الموحّد, الذي عمِل الفرنسيون على تفتيته وإنشاء كيانات مذهبية وطائفية, تحول دون وجود اي كيان «عربي» مُوحد، فإن الاحتفال «الفلكلوري» الذي يقوده كضيف شرف وحفيد للمستعمرين الفرنسيين الرئيس ماكرون, الذي وللمفارقة جاء مُحتفلاً وليس معتذراً عن جرائم الاستعمار الفرنسي للبنان, وما جرّه المستعمرون عليه من مصائب وتنكيل ونهب للثروات وتعاون مع الحركة الصهيونية لإقامة كيان يهودي على ارض الشعب الفلسطيني، يزيد (الاحتفال بالمئوية) من الثقة, بأن لبنان منذور للخلافات والانقسامات وبخاصة تلك التي كرّسها ميثاق العام 1943 الطائفي/المذهبي, الذي لم يبرأ منه لبنان منذ ذلك التاريخ, رغم كل ما يقال من كلام مُنمّق وتصريحات خُلّبيّة تفوح منها رائحة البحث عن خلاص وتوافُق على «هوية» لبنان, الذي مزقته دعوات «الفينيقية والتغريب» مقابل اعتباره وطناً نهائياً بلبوس عربي، رغم ما جاء في «التسوية» المُفخّخة المسماة «اتفاق الطائف» عام 1989 والذي لم يُطبّق, إذ واصل الافرقاء لعبة شراء الوقت في انتظار حدوث خلّل في موازين القوى الخارجية الاقليمية والدولية, والتي تنعكس تلقائياً على الموازين الداخلية الطائفية/المذهبية وتلك السياسية المُرتبطة بمعادلات اقليمية, معظمها عربي وبعضها اقليمي وخصوصاً اسرائيلي، ناهيك عمّا تُشكّله التدخلات الدولية من انحياز لهذا الطرف او ذاك.
هنا تبرز الدعوة التي اطلقها الرئيس عون لاعلان لبنان «دولة مدنية», والتي سبقتها دعوات الى الفيدرالية والكونفدرالية, الى ان دخل البطريرك الماروني بشارة الراعي على الخط داعياً الى «حياد لبنان»، قاصداً لبنان كما هو وفق ميثاق 1943 وطائف 1989 دون تغيير, ولكن في اطار الابتعاد عن سياسة المحاور او التدخل في الشؤون الاقليمية, ومؤكداً في الان ذاته «ان لا تسويات على حساب الكِيان».