عالَمان مختلفان في العقلية والنظرية والمنهج يعيشان متجاورين على الكوكب نفسه وفي الوقت نفسه: العالَم العلمي الذي يعتمد العقل والعلم في تفسير الظواهر الطبيعية والأحداث والحوادث البشرية، فيزيل الغموض ويعرف الأسباب والعوامل، ويحل المشكلات ويتقدم، وعالّم غيبي يفسرها دينياً فلا يصل إلى جواب، ويبقى مكانه أو يتراجع على سلّم التقدم مقارناً بالعالّم الأول.
العالّم الأول يمثله الغرب ومن يستخدم طريقه كاليابان والصين… والعالّم الثاني يمثله المسلمون. والأول يعيش في القرن الحادي والعشرين، والثاني في العصور الوسطى الأوروبية حرفياً ما خلا في العنوان والزمان.
ومن ذلك – وأمثلته لا تُحصى – أن خطيب جمعة في أحد المساجد كان في حالة هياج تام، يصرخ عبر مكبرات الصوت المجلجلة في الحي بأكمله بأن لا يتبع أحد ما يسمى بالعلم (يقصد الغربي) فالعلم نملكه نحن المسلموووون، والمصل نملكه نحن المسلموووون من أكثر من ألف عام حين قال رسول الله: «من تصبح بسبع تمرات فلا يضرّه شيء». ذلك هو المصل. ذلك هو الدوااااء. ويل للمكذبين. ويل للمكذبين. لكنه نسي أنه ترك المصلين حائرين أي نوع من التمور يأكلون، فليست كل التمور واحدة، أو من مصدر واحد.
لو أمتلك المصلون الشجاعة لانسحبوا كيلا يستمر في بث مثل هذا الخطاب، أو لأمطروه بأسئلة يعجز فيها عن الجواب فلا يقف على المنبر بعد ذلك ابداً.
وفي إيران الإسلامية يعد رجال الدين فايروس الكورونا إرهاباً بيولوجياً أمريكياً هدفه الفصل بين المؤمنين والخالق، وأن الصلاة وتقبيل زخارف المساجد المقدسة علاجه. ولما لم يؤدِ هذا التفسير أو الحل إلى نتيجة، فقد زعم خطيب في قم في 25/7/2020 عباس موسوي مطلق «أن الوباء ما هو إلا فيروس علماني يستهدف المجتمعات المتدينة لحرفها عن الدين، ويحاول بآثاره المدمرة دفعها إلى الضلال» لقد تجلت هذه اللاعقلانية في العصور الوسطى حين سيطرت الكنيسة على اناس في أوروبا إجتماعياً، وثقافياً، وإقتصادياً، وسياسياً، وأعاقتهم لقرون عن النهضة، وسيطرت بموازاتها الخلافة العثمانية على جملة العرب والمسلمين باللاعقلانية نفسها، ولكن الغرب نهض بالثورة العلمية والتنوير ثم بالثورة الصناعية واضعاً حداً أو نهاية لسلطة الكنيسة على العقل والنقل، بينما يواصل جملة العرب والمسلمين النوم في العسل، بعد ما كان العالم يتوقع يقظتهم بعد تحررهم من الخلافة العثمانية والاستعمار.
حسناً ايها الشيوخ والفقهاء والخطباء المسلمون المحترمون: إن الكورونا عقاب إلهي، وانها ليست افرازاً من الطبيعة تأثر بمدخلات بشرية، وأنها لا تصب المسلمين كما ادعيتم في بداية ظهورها، فماذا تقولون الآن وقد أصابت المسلمين ؟ يبدو – حسب فتواكم ومنطقكم – إنها عقاب لكم أيضاً، فقد أجبرتكم على الاجتهاد في مورد النص. ومن ذلك أغلاق المساجد ومنع الصلاة الجماعية، وإقامتها فردياً في البيت، وإيقاف العمرة، ومنع الحج العام هذا العام .
يورد الأستاذ أحمد القرالة في مقال له في جريدة الغد في 13/3/2020 فتوى تجيز صلاة الجمعة في البيت وراء الإمام في التلفزيون. إنه تطور مدهش أجبرتكم الكورونا ووسائل الإتصال الأجنبية الكافرة عليه. كما أجبرتنا على تفعيل حديث الرسول: «النظافة من الإيمان» التي كانت بيئاتنا تعطله. كما قضت الكورونا على أعلى مراحل النفاق الاجتماعي والسياسي بتقبيل الخدين والرأس أو الأنف. صار السلام يتم عند بعد.
لعلّ الهدف الإلهي الأهم لعقاب الكورونا إجبارنا على تفعيل حديث طلب العلم ولو في الصين، واعتماد التفسير العلمي للظواهر والأحداث الطبيعية والبشرية دائماً انطلاقاً من امتحان الله لآدم والملائكة في المعرفة – لا في الدين – الذي فاز فيه آدم فجعله الله خليفة له في الأرض. أقول لكم إن الطبيعة محكومة بقوانين ثابتة لا تتغير «ولن تجد لسنة الله تبديلاً»(الأحزاب: 62) «ولن تجد لسنة الله تحويلاً»(فاطر:43) وأنه بالبحوث أي بالدعاء مع القطران يمكن اكتشافها، ثم العمل بموجبها فننسجم مع الطبيعة أو نسيطر عليها ونسخرها لخيرنا وسعادتنا.
وأخيراً: أرأيتم ماذا تعني الكورونا؟ فأنت إذا مرضت تذهب إلى الطبيب وليس إلى الشيخ أو الفقيه أو الخطيب، وإلى المستشفى أو المختبر، وليس إلى الجامع أو الكنيسة… وكل الشعوب والأمم من مختلف الأديان والملل تنتظر اكتشاف لقاح لفايروس الكورونا يقي ويشفي.
فيروس الكورونا (الفيروس التاجي) يغير العالم إيجاباً وسلباً ويستمر في تغييره إلى أجل غير مسمّى.
حسناً: إن الكورونا عقاب إلهي
أخبار البلد - أخبار البلد-