في بداية الأسبوع الحالي كتبت مقالة حول الاهداف الحقيقية وراء الحج الأميركي للمنطقة من خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي و«كوشنير» للمنطقة وقلت أن هناك شبه احتفالية ستقام من أجل تتويج التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني لدعم موقف نتانياهو و ترمب واتضح ان المسعى يهدف الى التحضير لعقد مؤتمر اقليمي للسلام يؤدي الى تطبيع جماعي ليس عربيا فقط وانما اقليمي وذلك من أجل اعطاء تلك الاحتفالية طابعا دبلوماسيا وشرعنة دولية لمخرجات ذلك المؤتمر بهدف الوصول الى توافق بين دول المنطقة بادخال دول اقليمية مثل تشاد وجنوب السودان وإمكانية إضافة أثيوبيا وبعض دول شمال افريقيا كهدف استراتيجي يمهد ليس كما يصرح إعلامياً تحالف إقليمي ضد التمدد الايراني انما هو تمهيد حقيقي لتكتل اقليمي يدخل الكيان الصهيوني ضمن اطاره ويجعله كيانا طبيعيا في المنطقة يستثنى منه الشعب الفلسطيني والأردن وكل تلك الدول التي تقف ضد مشروع صفقة القرن.
من هنا تكون الإدارة الأميركية وتوابعها الإقليميون قد مهدو لإنجاز استراتيجي يعود بنا إلى الوراء إلى خطة (بيريس) للشرق الأوسط الجديد، والتي كانت قائمة على استبدال الجامعة العربية بتجمع إقليمي شرق أوسطي يكون الكيان الصهيوني جزءاً لا يتجزأ منه، ويضم إليه في مرحلة متقدمة تركيا، وقبرص، حتى يأخذ سمة التكتل الإقليمي الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وجنوب البحر المتوسط.
كل ذلك يتطابق مع الاستراتيجية الصهيونية بتواز مع توسيع دائرة المطبعين العرب والإقليميين كهدف مرحلي مما يؤدي إلى التخلص من الجامعة العربية ببعديها العروبي والقومي لصالح تكتل إقليمي شرق أوسطي فيتحول الكيان الصهيوني من دولة مارقة محتلة طارئة على المنطقة إلى دولة طبيعية من دول الشرق الأوسط تستطيع من خلال قوتها العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والدعم الاستراتيجي الدولي لها بأن تقود ذلك التحالف وتملي عليه خططه وآليات عمله وبرامجه المرتكزة على التنصل الكلي من الاستحقاقات الدولية المفروضة على الكيان الصهيوني فيما يخص القضية الفلسطينية وجعله صراعاً إنسانياً وليس صراعاً عربياً إسلامياً مع هذا الكيان المحتل ويصبح صراعا فلسطيناً صهيونياً.
لهذا بالضبط ولتلك الأسباب فإن هذا المشروع يتناقض تناقضاً كلياً مع مرتكزات الدولة الأردنية ببعدها القومي العروبي وأهداف الثورة العربية الكبرى التي انطلقت أساساً ضد سياسة التتريك والحفاظ على الهوية العربية القومية كرسالة وهدفاً استراتيجياً لوجود المملكة، والتي دائماً وأبداً تطالب بابقاء السمة السياسية والقومية والعروبية على هذا الصراع من خلال وقف الاضعاف الممنهج لدور الجامعة العربية، ومحاولات طمس ذلك الدور الذي وقف الاردن وفلسطين في مواجهته من خلال تكرار الدعوات إلى مؤسسات الجامعة العربية باتخاذ مواقف عربية واضحة من تطورات الصراع في المنطقة ومن المشاريع المطروحة والمتلاحقة، ذلك أن تغييب الجامعة العربية لصالح مشروع الأقلمة يتناقض كما ذكرنا مع رسالة الهاشميين التاريخية وأهداف الثورة العربية الكبرى.