الحكومات بالطبع تعرف بأن الكتاب والادباء یمثلون وجدان الوطن، وإذا لم تكن تعرف فتلك كارثة وأیم الله، ففي الدول المتقدمة، ینصب أبناء ھذه الشریحة بمنزلة الحكماء، حتى من ینتقد سیاساتھا منھم، تظل مكانتھ محترمة، ولا یقطع رزقه، ولا یحارب في عیشه، وتیسر له سبل الابداع، لذا لم نسمع ان ادیبا فرنسیا مثلا، مات معدما، او من الجوع، ولم یمر علینا خبر شاعر في موزمبیق، لم یتمكن من دفع إیجار منزله، لانه بلا وظیفة، ولم نعرف بان ادیبا مالیزیا وقع في فخ الشیكات المرتجعة، لان ھناك دولة تحمیه، وشعب یقف إلى جانبه.
الدول والشعوب الحقیقیة، تمنح الشعراء والكتاب المقعد الامامي في حیاتھا، وتحافظ علیھم، وتعنى بھم، وتحترمھم، لانھم یمثلون ملامحھا وصورتھا ووجدانھا، ولانھا تتكئ في تاریخھا الثقافي والانساني على إبداعاتھم، ولانھم ھم من یرجع إلیھم حین یؤرخ للأوطان.
ولعلي ھنا أتطرف قلیلا حین اقول، أن الحاجة الیوم لمن یسجل وجدان الأردن بعیدا عن التسحیج وفي قلب الحقیقة، ویعید تنظیف ما علق بنا من وسخ العصرنة وتلوثھا القیمي، ھم الادباء الحقیقیون الذین لا یرفعون قضایا على زملائھم، ولا یتسببون بجرح لاحد، حتى لو جرحھم، فالكاتب أكبر من ان یقع في شرك الضغینة، وھو بحكم رقیه المعرفي، لا یمارس اضطھاد احد، ویخلص لمشروعه الثقافي، ویؤصله، ویتعامل مع الابداع بقدسیة واحترام، ما ینعكس على تعامله مع البشر والبیئة والعالم.
والأدیب لا یسقط في فخ الممالأة وتسول القیمة والاحترام، ولا یحمل الجوخ لیمسحھ لكل من اعترف بھ أدیبا، بل علیھم ان یاتوا إلیھ، لینھلوا منھ حكمة ومعرفة وصفاء. على كل، فقدنا لإلیاس على الشاكلة التي سرت وسمعنا بتفاصیل مؤلمة عنھا، وعایشنا بعض جوانھا، یطلب منا ان نستعید ولو بقلیل من الشجاعة دورنا، وان نقف في وجه تسوش.