نعم، لقد نجحت الحكومة الأردنية في ترويع الأسرة الصحفية، وتوسع حظر النشر بقضية نقابة المعلمين الأردنيين ليتضمن كل ما يتصل بالمفردة، وليس فقط بمحاضر التحقيق كما يفترض.. لقد بات التعميم سيفا مسلطا على رقاب الأسرة الصحفية، واضطررنا احتراما لسلطتنا القضائية الامتثال لهذا التوسع.
الاعلام عُطّل تماما، وانهارت مصداقيته، وأخذ الناس يزدرونه وللأسف أصبح مادة دسمة للتهكم والسخرية في شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة..
وهاي هي الدولة -ولا أقول الحكومة وأجهزتها- تخسر إحدى أهم أدواتها، وتترك جمهورها نهبا لإعلام خارجي له أجنداته واتجاهاته وحساباته الخاصة. الناس تبحث عن الحقيقة، وحيث صمت اعلامنا تكلمت مختلف وسائل الاعلام الخارجية وكشفت التفاصيل للعالم أجمع.
لقد بات واضحا أن الحكومة ومراكز القرار الأخرى لا تريد اعلاما وصحفيين، إنما تريد أبواقا، تريد حملة مباخر، وكتّابا يخطون حروفهم على الريموت كنترول، تريد وسائل اعلام تنشر الرواية الرسمية وتسكت، وتُسكت ايضا ضميرها المهني عن الرأي الآخر.
وعندما تواجِه حكومتنا ومراكز القرار الأخرى أحد القابضين على جمر المهنة، الرافضين للدخول في بيت الطاعة الرسمية، والتنازل الطوعي أو مدفوع الثمن عن مبادئ المهنة وشرفها، فانها تباشر في شيطنة هؤلاء، وسرعان ما تبدأ في تصنيفهم ووصمهم وتوجيه التهم المعلبة لهم، لغايات وأد حالة التضامن معهم إذا ما تعرض أحدهم للتوقيف أو السجن.
آن الاوان ليدرك الجميع، أن الاعلام ليس طرفا في السجالات والصراعات الدائرة، وليس معنيا بدلالات التغطيات الصحفية ونتائجها ومآلاتها ومعانيها، ومن المستفيد ومن المتضرر منها، هذا كله سياسة، والصحفي يقوم بواجبه المهني بالتغطية ونقل الخبر والمعلومة للرأي العام.. هذا واجبنا وهذه رسالتنا وهذا حق الناس علينا، ولا يجوز أن يناصبنا أي طرف العداء، ويضعنا في سلة خصومه السياسيين، لأننا فقط نقلنا المجريات، وعكسنا الرأي والرأي الاخر .
الاعلام مهنة مقدسة، ومن غير المقبول أن يروع العاملون فيها على نحو تدخلهم في صراع يومي مع ضميرهم المهني، وبالتالي في امتحان شبه دائم لحجم اخلاصهم للمهنة، آخذين بعين الاعتبار جميع الحسابات والتضحيات والكلف التي قد يضطرون لدفعها، إذا ما قرروا ان يتصالحوا مع انفسهم واناهم العليا ..
حمى الله الأردن، وحفظ أهله وناسه، ومكّن إعلامه المستقل من البقاء والاستمرار في هذه الظروف الصعبة..