تبدأ القصةُ منذ ولادتها، وإذا بُشرَ أحدهم بالأُنثى ظل وجهه مسودا وهو "كظيم”، ونساء العائلة -وكأن المولدة تذكرهن بمعاناتهن ـ بين الوجوم، والحزن وحتى الغضب على هذه الأم التي ولدت أنثى، وتبدأ حفلة عزاء ومواساة، والدعاء بالعوض منذ اللحظة الأولى، «ما تزعلي إنت لسه صغيرة بتجيبي الولد، والله البنات –هالأيام- أحسن من الأولاد.»، والأدهى والأمر: "الله يعوض عليكِ»، نعم الله يعوض عليكِ وكأن خلفة الأنثى خسارة وهم وغم.
منذ ايامها الأولى نعلمها أن جسمها هو عارها الأول، عليها أن تخبئه حتى وهي تبدل حفاظتها، يمنعها هذا الجسم الذي يمثل لها نفسها، من أن تلعب في الحوش، ومن قيادة الدراجة ولعب كرة القدم، ومن الاختلاط مع أقرانها في الحارة، هذا الجسد الذي يبدأ يتشكل لها وكأنه عدوها اللدود الذي ستحمله معها طوال عمرها، فإذا بدأ جسمها بالنضوج، نمنعها الحياة والحب، وتصبح كقنبلة موقوتة، نتولاها بما تستحقه القنبلة الموقوتة من القلق والعزل والتوجس، والأهم أننا لا نقترب منها، طبعا فأنت لا تحضن قنبلة موقوتة، ولهذا نمنعها الحب والعطف الابوي والاخوي والعائلي.
كأي إنسان طبيعي تبدأ الأنثى رحلتها في البحث عن الحب الذي فقدته في أنقى صوره في بيتها، وتتحرك في جسمها مشاعر جسدية إنسانية، لا تتعارض في ماهيتها لا مع الدين ولا مع الأخلاق، تبدأ تبحث عن القبول الاجتماعي والحب والتعاطف كإنسان وليس فقط كجسم، وحيث لا تجده في بيتها ولا تعرفه من أهلها، فتهيم في محيطها ممزقة بين الخوف والحاجة الإنسانية للحب والقبول، غالبا ما تلتقي بصياد تم تدريبه على القنص، ينظر إليها كغنيمة ليس فيها غير «مفاتن» خلقت له، ولإشباع حاجته للصيد، والتي هي أيضا تعبير عميق عن خواء ذاتي، وبين (عارها الأول) وبين رغبتها في الحياة والقبول، تقع الواقعة وتنضم إلى قافلة الضحايا.
الغيرة على الشرف والعرض، ليست عادات وتقاليد عربية، ولا هي إسلامية المنشأ، إنها ظاهرة إنسانية قديمة، فقد عرفتها روما مثلا منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وكانت تعفي أو تخفف العقوبة عن الذكر الذي يقتل دفاعا او انتقاما لعرضه، لا بل ان أغلب نصوص قانون العقوبات في العالم العربي بهذا الخصوص مستمدة من قانون العقوبات الفرنسي، وتحديدا التي نصت حتى الربع الأول من القرن العشرين على العذر المحل والعذر المخفف للذي يقتل انثى من أقاربه لإقامتهن علاقات عاطفية أو جنسية خارج إطار الزواج الرسمي.
قانون العقوبات الأردني ألغى استخدام العذر المخفف في جرائم "القرف”، وقد انعكس هذا التعديل على واقع الجرائم في الأردن وتسبب في انخفاض بنسبة 30 % ، ولكنه عاد وارتفع وتضاعف عن سنوات ما قبل التعديل، وهذا يؤشر إلى أن الحل ليس في القانون فقط، بل في منظومة التربية والمنظومة الاجتماعية التي لم تقبل المرأة بعد جسدا وروحا وإنسانا، وما تزال تنتج عقلية تبيح قتل الأنثى حتى لو كانت مغتصبة.
العار الذي يجب أن نغسله هو عار المفهوم الاجتماعي المتخلف عن المرأة وجسدها ونفسها، وضرورة العمل على التأسيس الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لإنسانية المرأة فهي كائن متكامل، وأعتقد شخصيا ان المدخل الاساسي في ذلك هو في تأسيس ثقافة تمكن المرأة اقتصاديا وتربيتها على صناعة الثروة والاستقلال الاقتصادي.
الاستمرار في حملات مناهضة جرائم "القرف” مهم، ولكن لنعد الى جذور المشكلة، ولنبدأ بمراجعة صادقة وحقيقية لمفهومنا عن المرأة كإنسان وعن دورها في المجتمع، وبعكس ذلك سنبقى نعد الضحايا شهرا بعد شهر.
جسمها ليس عارا، واضطهادها بحجة شرفك هو عارك أنت، فاهم علي جنابك؟!!