صفحة جديدة يسجلها التاريخ لنواب المجلس النيابي السادس عشر، الذي اقر مشروع التعديلات الدستورية التي تمخضت عن لجان الحوار الوطني، فهذه التعديلات التي يفتخر مجلس النواب بإقرارها، لم تصل لحدود الطموح المقبولة من قبل المطالبين بالإصلاح، والذين كان لهم الدور الرئيسي والمهم بدورة عجلة الإصلاح السياسي في المملكة، وبإفراز هذه التعديلات التي لا يزالون غير راضين عنها، على اعتبار انها لم تمس جوهر المطلب الإصلاحي على المستوى السياسي، فكل ما كان من هذه التعديلات برأيهم هو عبارة عن تلوين لرسمه على ورقة مجلة أزياء قديمة ليس أكثر.
فابرز ما حفظ في الأذهان من ستة عشر جلسة لتداول مشروع التعديلات، كلام سعادة النائب الخلايلة في معرض مداخلته، عندما كان مجلس النواب يناقش تعديل المادة (21) من مشروع تعديل الدستور، والتي تتعلق بعمر المرشح لعضوية مجلس النواب ليصبح (25) بدلا من (30) سنة، باقتباس المثل العامي ما ظل بالخم غير ممعوط الذنب فكان بذلك نصير شباب التغيير على طريقته الخاصة، ولا اعلم ماذا سيكون تبريره عند الحاجة لهؤلاء الشباب، إذا عزم على خوض المنافسة للعودة للجلوس تحت القبة في الدورة السابعة عشرة لمجلس النواب، أما الآن وفي الوقت الراهن فالمطلوب من الشباب عدم الوقوف عند هذه العبارة فهي زلة لسان لا تحتاج إلى اعتذار .
وبالعودة إلى التعديلات الدستورية، فعلى الرغم من ايجابية هذه التعديلات إلا أنها خجولة لدرجة ضياع هيبتها بين المهاترات الكلامية، و لا تستطيع إضفاء أية محسنات على صورة مجلس النواب، الذي لا يكاد يخطو خطوة إلا وتعثر أخرى، فالمجلس يصر على البقاء أكثر مما تصر حكومة البخيت على البقاء، والشعب لكليهما مستعجل الر حيل، فالمطالبين بالإصلاح لا يرون بالحكومة والمجلس القدرة على إدارة ملفات الإصلاح، ومن يقف في صف الحكومة، يجد ان الحكومة تسبقها السلحفاة، فلا يجد مبرر لنصرتها ولا يقف بجانبها إلا خوفا على ما تبقى من هيبة الدولة، وحرصا على امن البلد، وامن أهله، ولخوفه من الانزلاق بمهاوي لا تحمد عقباها .
فهذه التعديلات التي منها أنه لا يتولى منصب رئيس الوزراء والوزراء إلا أردني، لا يحمل جنسية دولة أخرى، وهذا ينطبق على المواقع الأخرى، التي توازي هذا المنصب، وبذلك يخرج مزدوجي الجنسية من سكن الوظائف العليا بالدولة.
كما وأكدت التعديلات التي اقرها المجلس، ان أي حكومة يُحل مجلس النواب في عهدها، فإنه يجب عليها الاستقالة خلال أسبوع من تاريخ الحل، وعند حل مجلس النواب يجب ان تجري الانتخابات خلال أربعة أشهر من تاريخ الحل، وأصبحت مدة الدورة العادية لمجلس النواب ستة أشهر بدلا من أربعة أشهر، وبذلك يضع مجلس النواب قيدا غليظا على الحكومة التي تفكر بالتنسيب أو الإيحاء بحل مجلس النواب بانها تحكم على نفسها بالموت أيضا.
وبخصوص الطعن في صحة نيابة أي نائب فان ذلك يكون أمام القضاء النظامي وليس أمام مجلس النواب كما هو معمول به حاليا، وانه إذا حل مجلس النواب فانه لا يحل المجلس الذي يليه للسبب نفسه، وهذا بافتراض حسن النية وعدم التلاعب بالألفاظ، ليتوفر المناخ المناسب لمجلس قوي بممارسة صلاحياته الدستورية .
وبخصوص الانتخابات النيابية، نصت التعديلات على انه تُنشأ هيئة مستقلة عليا تكون مهمتها الإشراف على الانتخابات البرلمانية وإدارتها وأية انتخابات يقرها مجلس الوزراء، وأصبح القضاء من درجتين وألغيت محكمة العدل العليا.
ومنعت التعديلات الحكومة من إصدار قوانين مؤقتة، إلا في حالة الكوارث العامة والحرب وإعلان حالة الطوارئ، والحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل، ووفق التعديلات فانه ينشأ بقانون مجلس قضائي يتولى جميع الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين ويكون له الحق وحده تعينهم وتكون المحاكم مفتوحة للجميع وعلنية والمتهم بريء حتى يصدر حكما قضائيا قطعيا بحقه.
فهذه التعديلات وان كانت خجولة، إلا أنها الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، والتي نتمنى ان تكون ردود الأفعال بشأنها اقرب إلى القبول على مضض، من رفضها كلية، أملا بالتقارب والاتفاق، ونبذا للفرقة والاختلاف، وان تكون نواة لتطوير ممنهج يبدأ من هذه اللحظة، ولا يتوقف عند حد، متخذا من القيم الشرعية والأخلاقية سبيلا لخدمة الوطن وأهله.