'هجرة معاكسة' تدفع 18 ألف طالب وطالبة للانتقال من المدارس الخاصة إلى الحكومية
- الخميس-2011-09-04 18:57:00 |
أخبار البلد -
ضيق الحال وقلة الدخل، حالا دون إكمال ابنتي لدراستهما في إحدى المدارس الخاصة"، بهذه الكلمات بدأت الأم فرح سلام حديثها لـ"الغد"، عن قصة ترك ابنتيها ندين ونادية الدراسة في المدارس الخاصة.
وندين ونادية هم من بين 18 ألف طالب وطالبة انتقلوا العام الحالي من المدارس الخاصة الى الحكومية، ما يعكس ارتفاع وتيرة "الهجرة المعاكسة" في هذا المجال، لاعتبارات متعددة، منها ارتفاع الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، وأجور المواصلات، وانخفاض دخل الأسرة السنوي، إضافة إلى ارتفاع كلفة المعيشة، وتحسن مستوى التعليم في المدارس الحكومية، فضلا عن انتقال مكان سكن الأسرة إلى منطقة لا توجد فيها مدارس خاصة، وعودة أبناء المغتربين من البلدان العربية التي شهدت ثورات مؤخرا إلى المملكة للاستقرار فيها.
وتقول سلام "لقد التحقت ابنتاي بالمدارس الخاصة منذ الصفوف الأولى وحتى قبل ذلك، لأنها تعنى وتهتم بالطالب أكثر من المدارس الحكومية، وباعتقادي فإنها توفر أجواء غير تقليدية فيها الحركة والحيوية، ناهيك عن التدريس المصحوب بالعناية الكبيرة من قبل المعلم، إضافة إلى أجواء الحصة الدراسية التي أقل ما يقال عنها إنها نموذجية، حيث يكون عدد الطلبة متناسبا وحجم الغرفة الصفية".
وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي كان قدر في وقت سابق عدد طلبة المدارس الحكومية بنحو 1.2 مليون طالب وطالبة، إضافة إلى نصف مليون طالب موزعين على التعليم الخاص ومدارس وكالة الغوث ومدارس الثقافة العسكرية، مشيرا إلى أن عدد الطلبة المنقولين من المدارس الخاصة إلى الحكومية بلغ نحو 16 ألفا، مقارنة بنحو 31 ألفا العام الماضي، عازيا انخفاض عدد المنقولين العام الحالي الى انتقال معظمهم في العام الدراسي الماضي، في حين بلغ عدد المنقولين من الحكومية إلى الخاصة 7 آلاف طالب وطالبة.
بدوره، أكد أحمد سلامة، وهو أب لثلاثة طلاب، أن الأعباء الإضافية المصاحبة للمصاريف الدراسية، على غرار الكتب والقرطاسية، والزي المدرسي، تتزايد باستمرار، ما يجعله في حالة من "التشتت وعدم التركيز"، لافتا الى أن الارتفاع المستمر في أقساط المدارس، يشكل "عبئا" إضافيا كبيرا على جميع الأهالي، مشيرا إلى أنه اضطر منذ عام إلى نقل أولاده من مدرسة خاصة إلى حكومية، على الرغم من دخله المحدود، وارتفاع الأقساط بمقدار 200 دينار للطالب الواحد عن السنة الماضية، بحسب قائمة أقساطها، لكون جودة التعليم مرتبطة بالمبلغ المدفوع.
ويرى سلامة أن أصحاب المدارس الخاصة يستغلون أولياء الأمور فيرفعون الرسوم سنويا على نحو كبير، لافتا إلى عدم وجود تشريع أو قانون يسمح لوزارة التربية والتعليم بالتدخل والتحكم في أسعار أقساط المدارس.
ويقول سلامة "كنت أدفع نحو 600 دينار كأقساط دراسية لأبنائي في المراحل الأولى، لكني فوجئت عندما تأهل ولدي سنان إلى الصف الخامس، بأن قسطه وحده يبلغ 800 دينار، ما دفعني إلى نقل أبنائي إلى مدارس حكومية، حيث كنت متيقنا من مقدرتهم على إكمال مشوار تميزهم فيها"، مضيفا "تمكنت من تقوية عظام أولادي في الدراسة الخاصة، واليوم أترك البقية لهم، فالأوضاع الصعبة التي أعيشها ويعيشها غالبية الناس لا تسمح بدفع أقساط باهظة على هذا النحو".
وفيما يشيد حسام صبري بالدراسة في المدارس الخاصة، مؤكدا تفوقها، على نظيرتها الحكومية، يشير إلى انزعاجه من التكاليف المرتفعة التي تكبدها جراء تدريس ولديه معن ولمياء في إحدى المدارس الخاصة شرقي عمان.
ويعتبر صبري أن غياب المساءلة والأسس الواضحة لرسوم وأقساط المدارس الخاصة، جعل منها سوقا تجارية، بحيث تختلف كل مدرسة عن غيرها في السعر، بحسب أهواء ومزاجية إدارتها، متمنيا على وزارة التربية والتعليم أخذ هذه الأمور في الحسبان، "وإلا فإن المدارس الخاصة ستكون حكراً على أبناء الطبقة الغنية فقط".
وتقول الأم عليا حسن، إن بداية العام يشكل هما وقلقا لها ولأسرتها، لما يتطلبه من مصاريف تبدأ بالأقساط المدرسية، والكتب، والملابس، ما يعني ارتفاع حجم المصاريف اليومية، مشيرة الى أن ارتفاع الأقساط بدأ يزيد من قلقها وتوترها، كونها تجهل حتى الآن كيف ستؤمن القسط المدرسي الجديد، لاسيما وأنها موظفة وراتبها لا يكاد يكفي، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية.
وأوضحت أنها نقلت أبناءها الأربعة إلى مدرسة خاصة، بعد أن يئست من واقع التعليم "المؤلم" في المدارس الحكومية، على حد تعبيرها، مشيرة إلى أن إدارة المدرسة تتقاضى عن الطالب 450-650 دينارا بدل مواصلات.
وتبين أنها لا تعرف لمن تشكو، معتبرة أن "وزارة التربية والتعليم تعيش في عالم آخر، ومغيبة تماما عن واقع قطاع التعليم".
من جهتها، تعتقد نور جميل أن المدارس الخاصة، وعلى الرغم من تميزها في بعض الجوانب عن الحكومية، غير أنها غير قادرة على تحقيق نقلة نوعية في المستوى الأكاديمي للطلبة، موضحة أن السبب الرئيسي في إلحاق ابنها علي بمدرسة خاصة، يعود لكونها تقوم بتدريسه الإنجليزية والفرنسية منذ الصفوف الأولى، مشيرة الى أنه استفاد كثيرا في هذا المجال.
وأضافت "بعد أن أصبحت المدارس الحكومية تدرس اللغة الإنجليزية منذ المراحل الأولى، قمت بتسجيل ابني في مدرسة قريبة من بيتنا، وبعيدا عن مشاكل المواصلات والأقساط".
ويقول أبو حسن، وهو موظف في إحدى الشركات، إن لديه ثلاث بنات في المدارس الحكومية، وولدين في الخاصة، مبينا أنه نقل بناته إلى الحكومية بعد أن فؤجئ بالارتفاع الكبير للرسوم، معتبرا أن التعليم في الخاصة لا يختلف كثيرا عما تقدمه الحكومية، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الخاصة توفر للطلبة بيئة أكثر أمنا من غيرها، ما يمنحه الراحة والطمأنينة، سيما وأن أبناءه في أعمار صغيرة.
وفيما يعزو نقيب أصحاب المدارس الخاصة منذر الصوراني أسباب انتقال الطلبة من الخاصة إلى الحكومية، إلى ظروف انتقال السكن أو وظيفة الأب وغيرها، وليس فقط للظروف الاقتصادية الصعبة، يبين في تصريح إلى "الغد" أن البعض يرغبون في نقل أبنائهم من الحكومية إلى الخاصة، كونهم يشعرون بأنهم يعززون تعليمهم من خلال تعويدهم على بيئات تعليمية مختلفة، ومنهم من يفضلون التوجه نحو الخاصة بداعي قناعات ترسخت لديهم، مفادها أن النجاح لا يتحقق إلا فيها.
وأكد الصوراني أن العديد من القطاعات تأثرت هذا العام بالوضع الاقتصادي الجديد، وبالأوضاع العالمية والإقليمية، والتي أدت إلى تآكل دخول الأهالي، وبالتالي انعكس ذلك على ضعف عملية انتقال الطلبة من المدارس الحكومية إلى الخاصة، لكنه يرى أن ذلك لا يعني تأثر الخاصة من ناحية الإقبال عليها، لاسيما في المراحل الأساسية، حيث يلتحق سنويا في هذه المرحلة ما بين 30 الى 40 ألف طالب وطالبة في المدارس الحكومية والخاصة، معتبرا أن كفة الميزان في هذا الصدد متساوية بين القطاعين.
ويعزو الصوراني هذا الارتفاع، إلى ارتباط القطاع بالاقتصاد المحلي والإقليمي والعالمي، وإلى ارتفاع كلف مستلزمات المدارس الخاصة، فضلا عن تقديم تلك المدارس خدمة مميزة.
بدوره، قال مسؤول حملة ذبحتونا الدكتور فاخر دعاس، "على الحكومة التدخل السريع لوقف تمادي نفوذ وسيطرة المدارس الخاصة على المواطنين، كما يجب تحديد هامش ربح لها ولسائر المؤسسات التعليمية الخاصة، بحيث لا يتحول التعليم إلى سلعة ربحية"، مشيرا إلى ضرورة تعديل القانون ليسمح لوزارة التربية والتعليم بالإشراف والرقابة على الجانب المالي في المدارس الخاصة، لضمان عدم ارتفاع أسعارها، والعمل على إعادة تصنيفها بما يتناسب مع خدماتها، ومشددا أن على المدارس الخاصة ألا تتقاضى أرباحا على خدماتها، على غرار المواصلات والكتب والزي المدرسي.
بدوره، قال مدير إدارة التخطيط التربوي في وزارة التربية والتعليم محمد أبو غزلة، إن الوزارة اتخذت إجراءات عدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة المنقولين إليها، بإضافة 400 غرفة صفية هذا العام في جميع مديريات التربية والتعليم، وإشغال أكثر من 40 مدرسة مع بداية العام.
وبين أبو غزلة أن الوزارة أوقفت طلبات نقل الطلبة مع بداية الفصل الدراسي الأول للعام الحالي، في حين وضعت أسسا، وحسب قدرة وزارة التربية والتعليم، لاستقبال الطلبة القادمين من الدول العربية، بسبب الظروف التي تشهدها المنطقة حاليا