يلاحظ أن حمائم الإخوان المسلمين ,الذين كانوا يعتبرون حكماء هذه «الجماعة» التي حادت عن خط سيرها السابق الذي كان يتصف بالاعتدال والوسطية والابتعاد عن صخب الشعارات, قد انقلبوا إلى صقور ذهبت ببعضهم نزعة التطرف إلى ركوب موجة «المزايدات» التي ارتفعت في هذه المواسم التي غابت فيها الموضوعية وبات صخب أصحاب الأصوات المرتفعة يطغى على جوانب كثيرة من الحياة السياسية.
عندما اتخذ معتدلو الإخوان المسلمين ذلك الموقف الذي اتخذوه ضد المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة برروا موقفهم هذا بأنهم أرادوا إحراج المتشددين لإلزامهم بإما أن يوافقوا على خوض غمار هذه الانتخابات فيخسروا القاعدة الإخوانية المتشددة أو يرفضوا فيظهروا أمام هذه القاعدة وأمام الأردنيين على أن القرار في هذا التنظيم لم يعد قرارهم وأنه أصبح في أيدي الذين يصفونهم بالتهاون وبالتفريط.
إذن بدأ انحياز حمائم الإخوان المسلمين نحو الصقورية والتطرف الكلامي والشعاراتي ,حسب أقوالهم, مجرد مناورة اتخذت طابع المزايدات لكن مما يلاحظ أن بعض الذين كانوا يوصفون بالعقلانية ورفض التزمُّت والغلو من بين هؤلاء قد استطابوا هذا المركب الذي ركبوه وذهب بهم إعجابهم بصورهم على شاشات الفضائيات إلى حدَّ الذهاب بمناورة المزايدات هذه بعيداً واتخاذ مواقف لم يجرؤ على مثلها حتى الموتورون الذين ذهب بهم مرض تضخم عقدة الأنا إلى الاعتقاد بأن حتى أمطار السماء لا تسقط على الأرض بدون استئذانهم.
في الاجتماع الأخير الذي شارك فيه تسعة من «الإخوان» وتسعة من «الحزب» وثمانية من كبار رموز الجهتين اللتين هما في حقيقة الأمر جهة واحدة جرى اعتراف بأن شعبيتهم قد انحسرت كثيراً وأن حلفاءهم من القوى والتنظيمات اليسارية والقومية قد تخلوا عنهم ولكن وبدل أن يدفعهم هذا إلى مراجعة مواقفهم وسياساتهم والتلاؤم مع التوجهات العامة للشعب الأردني اختاروا الانصياع لقرار المراقب العام همام سعيد بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة ومواصلة «الحراك الشعبي» والتشكيك بأي إنجاز على طريق الإصلاح من التعديلات الدستورية إلى قانون الاجتماعات العامة إلى قانوني الانتخابات والأحزاب السياسية.
قبل بضعة أيام تحدث أحد هؤلاء «المعتدلين» ,الذين تحولوا إلى صقور جارحة, بكلام غريب وهذا في حقيقة الأمر يدل على أن أزمة الإخوان المسلمين الداخلية لا تزال محتدمة وأن كل هذا التطرف المفتعل من قبل الذين تخلوا عن مواقعهم ومواقفهم العقلانية السابقة هو من قبيل الذهاب بعيداً في المزايدات لدغدغة عواطف قاعدة تنظيمية يعتبرونها متطرفة لكن على هؤلاء أن يدركوا أنهم إن هم أرادوا أن يكونوا جزءاً من المستقبل فإن عليهم أن يترجلوا من فوق هذه الأمواج المرتفعة التي يركبونها وأن يتحلوا بالواقعية والمزيد من الواقعية وأن ينسجموا مع تطلعات الأجيال الصاعدة التي تهتف للحريات العامة وللديموقراطية وللدولة المدنية وللمواطنة التي لا تميز بين دين وآخر ولا بين الرجل والمرأة.. إنه على «إخوان الأردن» أن يدركوا أن هذه اللغة التي تحدث بها قبل أيام واحد ممن كانوا يُعتبرون من عقلائهم سوف تزيد من عزلتهم وسوف تؤدي بهم إلى مصير كمصير حركات تاريخية كثيرة انتهت لأنها لم تستطع التقاط معطيات الواقع الجديد ولأنها لم تفهم متطلبات اللحظة التاريخية.
صالح القلاب يكتب : «حمائم».. أصبحوا صقوراً!
أخبار البلد -