عرب الملك عبدالله الثاني عن استيائه من أداء بعض الأجهزة الأمنية، قائلا إنها "تعمل ضده" وواصفا قادتها بـ"الديناصورات"، وبأن "عقولها ناشفة".
وأعرب جلالة الملك خلال اللقاء، الذي جمعه بأربعة عشر شخصية من القيادات الشبابية، عن امتعاضه من سلوك مؤسسات أمنية نافذة في الدولة قال إن عملها الخارجي جيد 100%، لكن أداءها في الداخل غير مرض ٍ، بسبب أنها تضم عناصر تنتمي كما قال الملك إلى عصر "الديناصورات"، وهو ما يعيق العمل، ويتسبب "لي بمشاكل"، لأن بعضهم "عقولهم ناشفة"، محملا إياهم المسؤولية عن تزوير انتخابات 2007 !
ومازح الملك ضيوفه، حينما نظر في أرجاء غرفة الاجتماع قائلا: ما في تسجيل، الغرفة آمنة!!
وأعرب الملك عن أمله بتحديث عمل الأجهزة الأمنية وعصرنتها، بحيث تتمكن من التعامل مع الناس والمجتمع والمؤسسات بطريقة مغايرة للطريقة الحالية.
وحمّل الملك تلك الأجهزة المسؤولية عن تفجر أحداث 1989 في معان، وقال إنهم "كانوا يعملون مشاكل لوالدي" الملك الراحل الحسين.
ويتوقع مراقبون، أبلغوا "في المرصاد" أن تدفع هذه الإشارات، بخصوص عمل الأجهزة الأمنية، إلى إجراء تغيير جوهري في عملها، بحيث يتم فصل الشأن السياسي في الجهاز عن الشأن الأمني، كما هو حاصل في الولايات المتحدة، إذ إن عمل "السي آي إيه" منفصل عن عمل الشرطة الفدرالية " اف بي آي".
من جهتها، كشفت صحيفة "السبيل" الناطقة بلسان الحركة الإسلامية، نقلا عن مصادر لم تسمها أن اللقاء، الذي جرى في الديوان الملكي، أظهر استياء الملك عبدالله من أداء المؤسسة الأمنية، إذ لم يتردد الملك في لقائه وفداً شبابياً وصف قيادات أمنية بـ"الديناصورات".
وذكر موقع "ميدل إيست أون لاين"، استنادا إلى معلومات "السبيل"، أن الملك فاجأ الوفد بالقول إن "أجهزة أمنية تعمل ضده، وتخلق له مشاكل مع الشارع".
وقالت الصحيفة أن التسريبات التي حصلت عليها أشارت إلى أن الملك هاجم قيادات أمنية "عليا"، متهما إياها بإشعال "هبة نيسان" عام 1989، و"العمل صراحة ضد والده الراحل الملك الحسين بن طلال".
وذهب الملك إلى حد القول "إنني على علم بوجود شخصيات أمنية تسعى لإحداث شرخ بيني وبين شعبي"، على ما نقلت "السبيل" عن شخصيات حضرت اللقاء.
الهجوم الملكي جاء إثر انتقادات شبابية خلال اللقاء لمديرية المخابرات العامة، ومطالبتهم بكف يدها عن الحياة العامة، متهمين شخصيات أمنية بالتجييش ضد المطالبين بالإصلاح ومحاربة الفساد.
كما طالبوا بإصلاح سياسي "حقيقي"، متحدثين عما أسموه تضارباً في مصالح الدولة، واتهامهم مؤسسات رسمية بالعمل ضد التغيير.
وأكد الملك أنه ليس قلقاً على الإصلاح السياسي؛ بقدر ما هو قلق من مآلات الإصلاح الاقتصادي. وقال أيضاً "إن مسيرة الإصلاح واضحة ومستمرة. نتقدم بثقة نحو المستقبل ولا نخشى الإصلاح، لأننا نؤمن بأنه يصب في مصلحة الجميع".
وحمل لقاء الملك مع الشباب مفاجأة أخرى، حينما كُشف عن توجهات ملكية بإقالة عدد من القيادات الأمنية خلال الفترة القادمة "لتورطها بتأزيم الشارع".
التسريبات أكدت أيضاً وجود توجه رسمي لتسريح قيادات في الديوان الملكي، واستحداث منصب وزير بلاط، تزامناً مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإصلاحات شاملة.
وكانت صالونات سياسية تداولت منذ أيام؛ أنباء عن قرب رحيل مدير المخابرات العامة الفريق محمد الرقاد، ومدير الأمن العام الفريق حسين هزاع المجالي، الذي سلّم استقالته قبل أكثر من شهر، نتيجة انتقادات لاذعة تعرض لها من قبل مؤسسات حقوقية انتقدت قمع الشرطة لمسيرات المعارضة.
وتعرض الرقاد هو الآخر لنقد غير مسبوق من قبل الحراك الشبابي الإصلاحي، الذي اتهم مؤسسته بالتدخل في كافة مناحي الحياة، وفرض الهيمنة الأمنية على الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.
ويتزامن النقد الملكي مع اتساع مطالبات المعارضة بالحد من أدوار المؤسسة الأمنية، وخاصة حزب جبهة العمل الإسلامي –أكبر أحزاب المعارضة- الذي تحدث مؤخراً عن "دولة للأجهزة الأمنية تتمتع بنفوذ قوي داخل الدولة الأردنية".
المعلومات التي حصلت عليها "في المرصاد عن اللقاء الملكي بالقيادات الشبابية، تشير إلى تأكيدات الملك عبدالله على قيادة مسيرة الإصلاح مهما كانت العقبات، مؤكدا تفهمه لمطالب القوى السياسية والشعبية، رافضا إدانة جماعة الإخوان المسلمين الذين قال الملك إنه حينما التقى بهم أبلغهم بأنه يستشعر أن الثقة مفقودة بين الجانبين، لكنه شدد على أنه ملك للجميع، و"مهمتي أن أحمي الجميع، حتى لو كان هناك فئات لا تحبني ولا أحبهم"!
وقال الملك إن الإخوان المسلمين، ليسوا كلهم متشددين، فهناك ألوان متعددة في تيارهم، معربا عن أسفه لأنهم أضاعوا الفرصة في الانخراط في الجهد الذي قدمته لجنة الحوار الوطني.
وامتدح الملك، في اللقاء، رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي الذي قام بـ"إنجازات مهمة" على الصعيد الاقتصادي، وعلى مستوى تنظيم العلاقة مع الإعلام.
وشدد الملك على ضرورة المضي في مكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، بعيدا عن اتهام الناس جزافا، ملمحا إلى أنه يعتقد أن إنفاق 18% من موازنة الدولة على الطرقات "فيه فساد"!.
وعن المساعدات التي تأتي للمملكة، قال الملك إنها تأتي باسمي وأنا أضعها في البنك المركزي، ملمحا إلى شكوى خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله من بعض الزعماء العرب الذين يطلبون مساعدات ويأخذونها لهم!
وتشير استطلاعات لمركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن نحو 73 في المئة من الأردنيين يخشون العواقب الأمنية والمعيشية، إذا انتقدوا الدولة وسياساتها علناً.
وبرأي نقيب المحامين السابق صالح العرموطي، فإن تصريحات الملك المذكورة تعتبر "صرخة مدوية قد يكون لها تأثير إيجابي خلال الأيام القادمة".
وقال العرموطي "حديث الملك يؤكد سيطرة الملف الأمني على الدولة. هناك مراكز قوى تدفع باتجاه عدم الإصلاح، الأمر الذي سينعكس سلباً على النظام".
وأضاف "في 1999 التقيت الملك وانتقدت دور المخابرات غير الدستوري، حينها تبنى الملك موقفي".
لكن مسؤولاً أمنياً سابقاً فضّل عدم نشر اسمه؛ أكد سعي المؤسسة الأمنية للالتزام بأحكام القانون.
وقال "عمل دائرة المخابرات يحكمه القانون، وأعمالها تتم وفق أجواء من السرية للحفاظ على الأمن الداخلي".