اخبار البلد : اتعاطف مع مراسلي الفضائيات والصحف المتواجدين في الساحة الأردنية لندرة الأخبار المثيرة التي يلهثون خلفها لاشباع نهم المشاهدين العرب. من هذه الناحية يمكن القول ان الأردن مكان ممل ومخيب للأمال اعلاميا.
لا نسمع او نقرأ عن مذابح ومجازر ومدن تحاصرها الدبابات ونزوحات جماعية كبيرة شمالا الى سوريا او شرقا للعراق او غربا للأراضي المحتلة. لا نقرأ عن تعذيب الاطفال وتشويه جثثهم ولا نسمع عن اعتقالات آلاف المواطنين لأنهم اعتصموا او تظاهروا. لا تنقل الفضائيات اخبار دبابات تحاصر المدن وتغلق المساجد وتقتل المئات عشوائيا ولا نرى او نسمع عن شبيحة وقناصة يصطادون المتظاهرين من اسطح الأبينة.
لا نسمع او نقرأ عن مداهمات عسكرية لبلدان المملكة واعتقال مئات الأشخاص قبل الفجر ولا نقرأ عن جنود يدخلون مستشفيات لخطف الجرحى لكي يتم التخليص عليهم ولا نشاهد افلام فيديو على اليو تيوب والفضائيات لرجال النظام يركلون كاهل مسن وبدن هوادة ويطعنوا سيدة بعد اغتصابها. لا يتم خطف اطفال من الشارع وتعذيبهم ثم اعادة جثثهم لذويهم واجبار والد الطفل ان يتهم السلفيين والارهابيين بارتكاب الجريمة. لا يتم قطع الماء والكهرباء عن المنازل وعن المستشفيات عمدا كوسيلة لعقاب الناس لأنهم تظاهروا واحتجوا. وهذه الجرائم تحدث في اماكن لا تبعد اكثر من 30 كم عن الحدود الأردنية. واضيف هذه لا تحدث في الاراضي التي تحتلها اسرائيل بل في اراضي القلعة القومية الصامدة المقاومة الممانعة الثائرة الثورية الوراثية الحامية لاحتلال الجولان لأربعة عقود ونيف.
فما هي المشكلة في الأردن؟
المشكلة يا سادة ان الأردن بلد حضاري وانساني وعقلاني يتعامل مع الاحتجاجات بلطف مفرط وانضباط صارم ولكن هناك من يستغل هذه الانسانية للتمادي لاستفزاز رد فعل قاسي من الأمن لكي يصرخوا بصوت عالي على الفضائيات انهم مظلومين ويطالبون بالحرية والديمقراطية التي لا يؤمنوا بها اصلا. وأضحكني العنوان التالي :الرافضون للديمقراطية يصرحون انهم يريدون تغييرات جذرية في بنية الحكم الاساسية وفقا لقوانين عصرية ديمقراطية.
احتضن الأردن حركة الاخوان المسلمين لعقود طويلة حيث مارسوا عملهم السياسي بحرية ولم يتم تعذيب واعدام كوادرهم كما حدث في بلدان عربية اخرى. وينكرون الجميل بالتطاول على الدولة والتهديد بالعنف ويطلقون فتاوي تمنح الشهادة الفخرية لمن يقتل في المواجهات مثل ما منحوها لمن فجروا انفسهم في صفوف العراقيين الابرياء على مدى 8 سنوات.
الاخوان المسلمون يعتصمون ويحتجون بحجة المطالبة بالاصلاح ثم يرفضون المشاركة في الحوار الوطني ويرفضون المشاركة في الحكومة. الديمقراطية هي خطوة ضرورية لتمكينهم من الوصول للسلطة ثم يتم الغاؤها بحجة ان كلمة الله هي العليا ويسخروا المفاهيم الدينية لاغلاق الافواه وكتم الاحتجاج والتنكيل بمن يعارضهم. هذه الممارسات حدثت بالعفل في السودان والصومال واجزاء من باكستان وافغانستان وأقرب مثل هو المماراسات الحمساوية في غزة. ألم تفقد حماس شعبيتها ومصداقيتها في غزة بسبب الممارسات التعسفية الدكتاتورية التي باشرت بتطبيقها بعد ان انتصرت في الانتخابات ثم انقلبت على الديمقراطية وتتهرب من المشاركة في اي انتخابات مقبلة. هل يستطيع احد ان يقول للقراء ما هي انجازات حماس منذ استيلاءها على السلطة في غزة منذ صيف 2007.
يوجد على الطاولة الآن في الأردن رزمة من الاصلاحات الدستورية وقوانين احزاب وانتخابات برلمانية وغيرها سيدرسها البرلمان، السؤال لماذا الاخوان المسلمون يرفضون الاصلاحات سلفا وقصدا يعمدون على تجاهل كل هذه الخطوات الايجابية بهدف تحريك الشارع وتحريضه على المواجهة.
لقد طالب الإخوان المسلمون بإقالة الحكومة السابقة وحل البرلمان، وبعد ان رحلت حكومة سمير الرفاعي طالبوا بسقوط حكومة البخيت الجديدة حتى بعد تعديلها. ثم طالبوا بحكومة انقاذ وطني، لكن الوطن لا يمر بكارثة وليس على وشك الانهيار حتى تظهر الحاجة لحكومة انقاذ وطني. هذه مبالغات للتخويف والتهويل وخلق جو من اليأس في النفوس.
ثم رفضوا انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي الذي هو مطلب غالبية الأردنيين بسبب الفوائد الاقتصادية والسياسية التي ستنتج عن ذلك. لكن ما هو الهدف من معارضتهم لذلك ؟ ما هو السبب المقنع وما هي الحجة وما هو المبرر لمثل هذا الرفض؟ هل هو لارضاء طهران؟ اذا كان الأمر كذلك ليقولوا لنا بصراحة ان اسيادهم في طهران يرفضون انضمام الأردن لمنظومة مجلس التعاون الخليجي. وهل المطالبة بالغاء مهرجان جرش الثقافي والفني هي خطوة اصلاحية ام خطوة تعود بنا الى عصور الجهل والانحطاط.
وما هي مشكلة اليساريين؟
أما احزاب الشعارات القومية الرنانة ما شاء الله عليها لا تزال تعيش في حقبة الخمسينات فلا يزالوا يعتقدون أن الشعارات القومية ستنهض بالانسان العربي وتحرره من الاستعمار والذل والفقر وستحقق له الوحدة والنصر والشموخ وهزيمة اسرائيل في الميدان وتحرير فلسطين. سوف لا ألوم القاريء الذي سيقول ان هذه اوهام ودجل واحلام وأكاذيب. لقد أثبت التاريخ ووقائع الاحداث أنها بالضبط كذلك. حتى أن بطلهم الكبير جمال عبد الناصر رحمه الله جلب للأمة العربية أكبر هزيمة ذاقها العرب في تاريخهم الحديث. إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني من احتلال واذلال ومصادرة اراضي واستيطان الآن حدث كنتيجة مباشرة لتلك الهزيمة. هذا هو بطل القوميين اليساريي نثم انتقل اعجابهم لصدام حسين الذي جلب لشعبه الغزو والدمار والهزائم. والآن يطبلون ويزمرون ويصفقون لنظام دمشق الاجرامي حيث انهم لا يزالوا يعتبرون الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بوليسي قمعي في سوريا هي مؤامرة صهيونية امبريالية لاسقاط آخر قلاع القومية التي لم تقدم سوى الحماية لاحتلال الجولان وعدى عن ذلك لا تزال تبيع الشعارات المجانية التي تنطلي فقط على البسطاء والساذجين.
كلاهما الاخوان واليساريون يلعبون بالنار ويريدون تأجيج الوضع لاشعال حرب داخلية ويلعبون على وتر خطير يهدد الوحدة الوطنية بشقيه الأردني والفلسطيني،. لذا على الإخوان وحتى اليساريين وبعض من يسمون أنفسهم بأنهم ليبراليين أن يتقوا الله في الأردن.
وما هي ميزات الأردن الاساسية؟
لا يحكم الأردن دكتاتور ثوري جاء بانقلاب عسكري بل نظام ملكي دستوري له شرعية دستورية ودينية وتاريخية، فهو يحكم بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن لعقود من الزمن، كما جلبت التقدم في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والسياحة والزراعة والصناعة والفن. هناك مؤسسات دستورية ومجتمع مدني ناشط واحزاب سياسية وآليات رقابة ومحاسبة وقضاء نزيه ومستقل.الأردن ليس دولة بوليسية قمعية تحكم بالحديد والنار وتقوم بتشويه جثث الاطفال واغتصاب النساء واستعمال فرق موت لتصفية الخصوم والمتظاهرين كما يحدث في بلدان القومية الممانعة الصامدة.لا يتم اختطاف الناس بالليل ولا يختفوا بحيث لا احد يعرف مصيرهم. لا يتم ابتزاز المواطنين في المطارات عند عودتهم من الخارج كما يحدث في عواصم الثورات الوراثية. الأردن لا يحكمها طغاة اغبياء يتشبثوا بالسلطة حتى لو تم ابادة شعب كامل.
النظام في الأردن لا يرفع شعارات فارغة رنانة للإستهلاك المحلي والخارجي، بل يتعامل بواقعية وبراغماتية تدرك ما يدور على الساحة ويتعامل معها بحكمة ولمصلحة الوطن، وقد جنب شعبه ويلات الحروب والمغامرات الهدامة.ألا يهرب الناس وينزحوا من الدول المجاورة ويتجهوا للأردن، في حين لا نرى افواج من الأردنيين يهربوا باتجاه سوريا او العراق أو اليمن أو مصر. كل هذه دلائل لها مغازي كبيرة وعلى رأسها ان الأردن بلد معتدل متسامح ويتمتع بقيادة حكيمة استطاعت بذكاءها السياسي ومقدرتها على قراءة المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة قراءة دقيقة، كما استطاعت ان تجنب الأردن الكوارث والمهالك. ورغم وضعه الجغرافي السياسي الصعب، حيث اسرائيل من الغرب تحتل وتغطرس وتتربص لتطهير الضفة الغربية من سكانها وترحيلهم للأردن، وشرقا العراق الغير مستقر وشمالا نظام دكتاتوري يشن حربا شعواء ضد شعبه للبقاء في السلطة رغم انه حكمها لأكثر من 40 عاما بقبضة من حديد، تمكن الأردن بقياداته الواعية ان يحافظ على استقرا وأمن البلد. كل هذا لا يعني ان الاصلاح غير مطلوب.
هناك وعي وادراك ان الاصلاح بات امرا محتوما لا مفر منه وانه مصلحة وطنية وسيتم تطبيق الاصلاحات بطريقة حضارية مدروسة وليس كرد فعل اهوج بسبب الحناجر من حملة الخناجر والبلطات.