على عكس جلسات محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين وصولا الى اعدامه في أول أيام عيد الأضحى والتي تشبه فيلم رعب متواصل بشكل يعكس شخصية الشعب العراقي 'التراجيدية'، فان جلسة محاكمة واحدة للرئيس المخلوع محمد حسني السيد مبارك فحسب كانت كافية لايقاظ كل مخزون الفكاهة المصري في الذاكرة العربية.
فتزاحم المحامين على الميكروفون، والمحامي الذي يصرّ على ان مبارك مات عام 2004، والشخص الذي رد على سؤال القاضي ان كان محاميا فرد: نو نو، وحتى 'تسطيحة' مبارك المفتعلة و'نقره الكوسى' على الهواء مباشرة... كلها مشاهد تبدو مأخوذة من مسرحيات عادل امام 'شاهد ما شافش حاجة' و'مدرسة المشاغبين' و'الزعيم'.
وبسبب كل هذه الكوميديا الكامنة والنابعة من الشخصية المصرية العظيمة فانك لا تستبعد ان يسقط احد 'الممثلين' في قاعة المحكمة فجأة عن النص سقوطاً حراً، يستدعي تدخل القاضي الخلوق احمد رفعت صاحب مقولتي 'ارجع مكانك' و'ادي الميكروفون لزميلك'، او يؤدي لوعكة صحية مفاجئة للرئيس المخلوع صاحب المقولة الخالدة الأخيرة 'موجود يا فندم'!
كل ما في المحاكمة يبتعث مشاهد مسرحية وتلفزيونية في المخيلة العربية مثل تدخل قاضي مسرحية 'شاهد ما شافش حاجة' وهو يكاد يطقّ من اجوبة سرحان عبد البصير المتهم بقتل عنايات الرقاصة، وتنحنح عبد البصير المضغوط بين رجلي أمن، او هزء طلاب مدرسة المشاغبين بالناظر المسكين.
اجواء المحكمة تحوّلت عبر صفحات الفيس بوك الى مشاهد مسرحية 'تفقّع من الضحك'، منها هذا المشهد المتخيل لمحامي مبارك وهو يقول اثناء المحاكمة: سيدي الرئيس. فيرد عليه مبارك: ايه يا فريد، فيعقّب القاضي: مش انت يا روح خالتك!.
غير ان اكثر تلك المشاهد تعبيرا برأيي كانت هذه:
'المتهم محمد حسني مبارك ما قولك فى التهم الموجهة اليك؟
مبارك: انكرها جميعا
المتهم جمال حسني مبارك ما قولك فى التهم الموجهة اليك؟
جمال: انكرها جميعا
المتهم علاء حسني مبارك ما قولك فى التهم الموجهة اليك؟
علاء: انكرها جميعا
المتهم حبيب ابراهيم العادلي ما قولك فى التهم الموجهة اليك؟
العادلي: اقر بها جميعا، ولو سبتلي التلاتة دول ساعتين زمن بالظبط هاقررهملك يا ريس'!
وقد تحولت كلمات مبارك التي رددها في المحكمة الى رنة للهواتف الخلوية سمّيت 'نغمة مبارك' وهي من مقطعين الأول ينادي حاجب المحكمة فيه على مبارك قائلا 'المتهم الأول محمد حسني السيد مبارك' فيرد عليه 'أفندم انا موجود' والمقطع الثاني يقول فيه 'كل هذه الاتهامات انا انكرها بكاملها'.
كما أصبحت 'مناخير مبارك' موضوعا لصفحات فيسبوك كثيرة منها 'حسني مبارك رئيس جمهورية سابقا وبيلعب في مناخيره حاليا'، و'حملة تنظيف مناخير الرئيس'، و'الراجل اللي كان صباعه في مناخيره جوا القفص' التي انتقدت جميعها غرور ولا مبالاة رئيس دولة يواجهة تهم القتل والفساد.
ختام القول، الشعوب العربية السعيدة برؤية احد أعضاء نادي الطغاة يزقزق في القفص تترقب اللحظة التي ترى فيها مزيدا من الزعماء العرب يرددون: 'موجود يا فندم'!
فقهاء التجاهل
هذا وقد تجاهلت وسائل الاعلام السورية حدث محاكمة مبارك تجاهلا يفضح المقصود منه ويكشف السرّ بدل ان يخفيه.
فقد كان على المشاهدين في يوم المحاكمة الانتظار حتى نشرة الثامنة والنصف مساء على التلفزيون السوري التي تجاهلت عناوينها الخبر الذي جاء بعد اربعين دقيقة وبالطريقة التالية: 'تشابك بين موالين ومعارضين للرئيس مبارك على خلفية محاكمته'.
وهذا الخبر لمن لا يفهم عقلية الاعلام السوري ضمير مستتر تقديره هو: 'من يفكّر من المعارضين بشيء من هذا القبيل في سورية فليعلم ان الموالين جاهزين لتكسير رؤوسهم'!
خبر محاكمة الرئيس هذا الذي 'يسمّ البدن' الرسمي السوري تم تجاهله تماما في صحيفتي الثورة وتشرين السوريتين اما صحيفة البعث فقد اجتهد محرر في صفحاتها الداخلية (جازاه الله كل خير) ونشر خبر تأجيل المحاكمة فحسب ودون صورة مرفقة.
'مؤامرة' على المسلسلات السورية
هل من هو من سوء او حسن المصادفات ان يكون عنوان المسلسل السوري الذي رست عليه مقاولات قناة 'ام بي سي' السعودية الشهيرة للعرض في شهر العبادة والاعلانات، هو 'الزعيم' - في الوقت الذي يستمر فيه مسلسل واقعي أكثر اثارة ودموية بكثير ينادي فيه الشعب السوري باسقاط 'الزعيم' الآخر اياه بعد ان ملّوا حلقات مسلسل ضرب رقما قياسياً بالعرض المتواصل: 41 عاما!
تعاهدت مع نفسي في رمضان هذا ان اشارك في 'المؤامرة على الدراما السورية' التي تحدث عنها المخرج الفانتازي التاريخي نجدت انزور، والتي لا ينفكّ يتحدث عنها حتى عندما تشتري قنوات من يهاجمهم من 'بدو الخليج' كل مسلسلاته وتعهداته مخرجا ومنتجا ومقاولا، كما حصل في عام اخراجه مسلسلي 'ما ملكت ايمانكم' و'ذاكرة الجسد'، واللذين عرض كل منهما على عشرات الفضائيات.
المسلسلان لكاتبتين أنثيين جميلتين، وقد قالت الأولى، الصديقة هالة دياب لي ان انزور نسب في مسلسلها السابق كل المجد لنفسه، فيما قالت الثانية انه 'اخرج العمل الثاني له (أي عمل هالة دياب) على حساب (ذاكرة الجسد)'، وعندما تتفق امرأتان بجمال وكمال احلام مستغانمي وهالة دياب على انتقاد هذا المخرج 'الفذّ' نفسه فهما محقتان بالتأكيد.
لكن مؤامرتي التي اشارك فيها صغيرة على قدّي، وقد آليت فيها على نفسي ان لا أقرب هذه المسلسلات، صائما كنت ام مفطرا، وطاهرا كنت ام جنباً!
فمتابعة أيا من المسلسلات تلك تجعلني أحس بألم جارح يطبق كالحبل على عنقي وتذكرني بشبيحة الفن السوريين الذين، كزملائهم الشبيحة والقناصة الآخرين الحقيقيين، وعلى رأسهم مخرجنا الفهلوي (ابو مسلسلين في اليد خير من عشرة على الشجرة)، - وزميله المخرج الأكثر فذاذة هشام شربتجي، الذي نافسه ايضا على اخراج (ذاكرة الجسد) وفشل -، والذين فتحوا النار الاعلامية على زملائهم ممن طالبوا بنصرة أطفال درعا المحاصرة ومدّهم بالغذاء، ثم تابعوا صبّ حقدهم النووي عليهم في كل مناسبة سنحت لهم وشاركهم في ذلك ما ملكت ايمانهم من حشود ممثلين وكومبارس، يتنافسون كلهم على التذلل لذلك 'الزعيم' الأوحد إياه الذي قام بنشر جيشه ودباباته وقناصيه في كل انحاء سورية باستثناء مكان واحد: الجولان!
هذا لحمي فكلوه!
أثار عرض فضائيات عديدة بينها قناتا 'فلسطين' و'الجديد' لمسلسل 'في حضرة الغياب' الذي يستند الى حياة محمود درويش سخط عشاق الشاعر الفلسطيني الراحل، مما أدى لاشتعال حملة على منتجه وبطله الفنان السوري فراس ابراهيم، ومطالبة مثقفين وناشطين بوقف عرض المسلسل لأنه حسب قولهم 'مليء بالعواطف الرخيصة ويقتل هذه الذاكرة الحية فينا، ويشوّه صورة شاعرنا الكبير من اجل الربح فقط.'
فراس ابراهيم، الممثل خفيف الوزن في الترتيب الابجدي للمواهب (الذي يمثل 'بفلوسه' مثل الراقصة والممثلة الجماهيرية العظمى فيفي عبده) مع حسن م. يوسف، القاصّ السوري المبدع، والذي شهدنا تجليّا كبيرا لابداعه برفقة فاروق الشرع وصحبه الكرام في 'اللقاء التشاوري تحت سقف الدبابات' يقرّظ في أداب الحوار (والطعام؟)، والمخرج... (ما غيره) نجدت أنزور (كمان وكمان)، وكذلك نجمة اللقاء التشاوري نفسه سلاف فواخرجي، تشاركوا جميعا في التهام محمود درويش وتقديمه مطهوّا ومتبّلا بالسياسة والديكور والموسيقى التصويرية لآلاف المشاهدين الصائمين.
درويش، مسيح فلسطيني جديد مع اربعة يهوذات.
موجود يا افندم' رنّة موبايل وصفحات فيسبوك لمناخير الرئيس: محاكمة مبارك اطلقت مخزون الفكاهة المصرية
أخبار البلد -