نشر الزميل محمد أبورمان قبل أيام دراسته حول السلفية الجهادية والحراك في الأردن. وهي دراسة تستحق التوقف عندها، لأنها تمثل محاولة جادة لتوطين عمل ونشاط هذا التيار ضمن سياق الحراك السياسي في الأردن.
ومصطلح السلفية الجهادية تحتج عليه بعض المجموعات السلفية الأخرى، لأنها ترى أن السلفية الجهادية هي "القاعدة". وتسمع من بعض أبناء الحركة السلفية حكما بأن من يسمون السلفية الجهادية لم يقوموا بالجهاد، وأنهم اختزلوا نشاطهم ضد أنظمة الحكم في بلادهم قبل أن يعيشوا حالة تحول في الأولويات باتجاه أميركا في منتصف التسعينيات بعدما فشلت فكرة إقامة دولة لهم في الشيشان وتداعيات الانتخابات الجزائرية.
في دراسة الزميل أبورمان عدة قضايا مهمة، لكنني أتوقف عند الحديث عن وجود تيار قيادي مؤثر يؤمن بالعمل السلمي في الأردن ويرفض العنف. وينقل عن منيف سمارة، أحد قادة التيار، أن هناك سعيا لإنشاء تيار سلمي دعوي على الساحة الأردنية يقوم بتقديم فكر السلفية الجهادية، وتحديدا التركيز على المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية. وهذا الأمر تمت صياغته في ميثاق لم ير النور، لكن هذا لم يلغ فكرة وجود تيار يؤمن بذلك.
لكن إلى جانب هذا الطرح، سيبقى التيار مؤمنا بتكفير النظام السياسي. وهذا يجعل الأمرين متناقضين؛ لأننا لن نرى التيار يعمل بالوسائل السلمية القانونية، ولن يؤمن بالديمقراطية ووسائلها، وهذا ما يجعل فكرة العمل السلمي شكلية وتحتاج إلى نقلة فكرية أخرى تتعلق بنظرة التيار للمجتمع والدولة، فلا عمل سلميا مع دولة يراها التيار خارجة على الدين.
ربما يكون ما سبق نوعا من الصدمة التي يعيشها التيار بعد كل ما يجري وفق وصف أحد المهتمين بالتيار السلفي، لأن العمل السلمي لا يستقيم من دون الإيمان بالديمقراطية والعمل السياسي، وإلا كان حالة نظرية. وربما يحتاج التيار السلفي الجهادي إلى وقفات مراجعة فكرية عميقة حسب معطيات وظروف الساحة التي يعيش فيها، وهو ما تم في بعض الدول. وفي الأردن، يحتاج التيار الذي خرج إلى العلن خلال الأشهر الأخيرة ونظم مظاهرات، يحتاج إلى مراجعة يستكمل فيها المرحلة التي أوصلت بعضه إلى تبني فكرة العمل السلمي.
وهنالك إشكالية أخرى، وهي أن الإيمان بالعمل السلمي في الأردن وبقاء الإيمان بالعمل العسكري في الدول الأخرى يمكن أن يحول التيار والأردن إلى منطلق لأعمال عسكرية في دول الجوار، وهو أمر يتعارض مع فكرة العمل السلمي والسياسي.
أما المطالبة بتطبيق الشريعة، فإنها البند الرئيس على مشروع الإخوان المسلمين، لكنه بند تراجع كثيرا في خطاب الإخوان وحتى برامجهم الانتخابية التي طغى عليها الموضوع السياسي التفصيلي والانشغال بالحدث اليومي، وأصبح موضوع تطبيق الشريعة بندا لا يُرى بالعين المجردة في خطاب وعمل الجماعة. وعندما يتحدث تيار في السلفية الجهادية عن التحول السلمي والتركيز على تطبيق الشريعة، فإنه يتحدث عن برنامج مألوف ومطلب قد تطويه الأحداث ليصبح الأهم الحدث السياسي اليومي.
"التكيف ثم التحايل ثم التحول" خطوات تمر بها المجموعات الفكرية والعقائدية، ودراسة مسار كل حركة يجعلنا نجد هذه المراحل. ومن المؤكد أن "القاعدة" التي كانت تحرم العمليات الانتحارية حتى العام 1996، ثم أصبحت هذه العمليات برنامجها، يمكن أن تتحول يوما ما إلى حالة سلمية وتنظيم يخوض انتخابات.
السلفية الجهادية ومستقبلها الفكري
أخبار البلد -