لتشمل نواحي عديدة في حياتنا , لأنه كلما قل الفساد ارتفعت نسبة النمو الاقتصادي والعكس صحيح. لدينا
في الاردن هيئة مكافحة للفساد , وكذلك مركز الشفافية الاردني التطوعي , وراصد الذي يعمل فريقه على
مراقبة الانتخابات ,وكذلك هناك فرع لمنظمة الشفافية الدولية «رشيد», كلها تعمل بحرية لمحاربة الفساد من
النواحي القانونية او التوعوية.ولكن القانون وحده لا يكفي, فنحن بحاجة الى ما هو اهم, وهو وجود ميثاق
للأخلاق والسلوك المهني في العمل العام او الخاص من اجل تجذيره في المجتمع ليكون نهج حياة. كلنا نتذكر
حوادث الانهيارات للحفريات وكيف كانت مختلف الاطراف تتنصل من المسؤولية المهنية والاخلاقية , فلو كان
هناك ميثاق اخلاق وسلوك مهني يخضع الجميع ويلزمهم بممارسته ويحاسبون عليه ,لوجدت ان مهندس
المقاول على سبيل المثال يرفض القيام بأعمال الحفر حتى يتم معالجة العيب في المواصفات الهندسية, ولا
يكتفي بأرسال كتاب يحذر فيه من الانهيارات , ولو كان هناك ميثاق اخلاقيات للسلوك المهني بشكل يليق
بالمواطن الاردني ودرجة وعيه و مطبق فعليا , لما وجدت ان نقابة الاطباء هي التي تحارب مشروع قانون
المساءلة الطبي الذي طال انتظاره. فمدونات السلوك المهني التي ينشرها البعض على موقع مؤسسته ما
هي الا للدعاية والاعلام لأنها غير مفعلة , وتلك هي اساس مشاكلنا.
في بلد مثل كندا يتعين على خريج كلية الهندسة وقبل ان يحصل على لقب مهندس, ان يتقدم لامتحانين
غاية في الاهمية, وهما القانون وميثاق اخلاقيات المهنة Ethics of Code, حيث يشكلان الحجر الاساس لممارسة
المهنة, وبالتالي ممارسة النزاهة والشفافية بأعلى درجاتها. وقد يستغرب البعض ان الكتاب المخصص للدراسة
في مجال اخلاق المهنة يزيد عن 300 صفحة , والامتحان يستغرق 4 ساعات , وفيه الكثير من الاسئلة الصعبة
والمحيرة , ولكن المهندس الذي يجتازه يساهم في خلق مجتمع مهني نزيه , يكون على رأس اولوياته تقديم
افضل الخدمات للمجتمع الذي يعمل فيه. ناهيك عن نقابة الاطباء التي استندا على ميثاق اخلاق المهنة في
تلك البلاد, تعلن جميع التهم على الاطباء ,ويحقق فيها بكل شفافية من خلال جلسات استماع للجان التأديبية
Committees Disciplinary, ويتسنى لأي مواطن او للصحافة حضور الجلسات التي هي دائما علنية , فهذه هي
احد المعايير الرئيسية لقياس الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد بشتى اشكاله.
هناك فرق بين القانون والاخلاق , فالقانون هو مجموعة من القواعد القانونية التي تهدف إلى تنظيم سلوك
الأفراد في المجتمع وتكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة على المخالف عند الاقتضاء. واما الاخلاق فهي
مبنية على مجموعة من القيم التي اساسها الخطاء او الصواب فليس كل ما هو قانوني بالضرورة اخلاقي.
القانون والمعتقدات البشرية كان لهم مساهمة كبيرة في تهذيب سلوك البشر على مر العصور , اما الفلاسفة
الاغريق كانوا اول من ادخل علم الاخلاق Ethics في علوم الفلسفة ,والتي اصبحت من ركائز المجتمعات
المتطورة , حيث استخدم معاييرها الانسان الغربي في الحضارة الحالية بعدما فصل الدين عن الدولة , وتم
تبنيها وتطويرها لتناسب مختلف القطاعات المهنية ,ومنها على سبيل المثال لا الحصر ميثاق الأخلاق و
السلوك المهني Conduct of code Professional, التي يستنير به المهندس او الطبيب والمحامي وغيرهم
عند ممارسة المهنة, بل ويكونوا ملزمين بتطبيق معاييره في مختلف الحالات , وعند الاهمال او التقصير يتم
محاسبتهم وليس حمايتهم كما يحدث في دول العالم الثالث. وهذا هو المعيار الاخلاقي الذي ادى الى وزير
بريطاني بتقديم استقالته لأنه تأخر عن حضور جلسة للبرلمان البريطاني , وهو نفس المعيار الاخلاقي الذي
يحتم بان يكون هناك اعضاء مدنيين في لجان التحقيق التي يشكلها الامن البريطاني عندما توجه شكوى من
المواطنين لاحد افراد الامن ,وذلك كممارسة للنزاهة والشفافية ومحاربة الفساد. وهو نفس معيار النزاهة الذي
يجعل من أي عضو لجنة يقوم بالتصريح عن تضارب في المصالح وينسحب من لجنة التوصيات اذا كان احد اقاربه
او معارفه هو المعني في تلك التوصيات.
لاشك ان الخدمات الإلكترونية التي بدأت تقدمها الحكومة من شأنها تسهيل الاجراءات وتصب في رفع كفاءة
الجهاز الحكومي. ولكن اصبح من الضروري ان يخضع كافة موظفي القطاع العام لدورات تأهيلية في مجال
العمل العام ,بحيث تشمل تلك الدورات ما يمكننا تسميته اخلاقيات العمل العام Ethics Works Public , بحيث
يتوجب عليهم اجتياز الامتحانات قبل التعيين او الترفيع حتى يصبح هناك ادنى مستوى مقبول في اخلاقيات
العمل العام فالكفاءة الفنية برغم اهميتها لا تكفي, والقانون ايضا لا يكفي لتهذيب السلوك العام للموظف او
المهني, بل نحتاج الى ميثاق اخلاقيات مفعل وملزم عمليا كل في مجال اختصاصه, ويخضع للمحاسبة كل من
يخالف بنوده. ولهذا ارى ان هناك دورا بالغ الاهمية يمكن ان تقوم به هيئة مكافحة الفساد وديوان الخدمة
المدنية ليس فقط من الناحية القانونية او التوعوية بل عملي ويكون له اثر ملموس, , لأعداد مناهج في
اخلاقيات العمل والسلوك المهني , وذلك بالتنسيق مع الجامعات والنقابات المهنية والاخرين ,بحيث يصبح
اجتياز الفحص في اخلاقيات العمل العام كأساس للتوظيف او الترفيع في القطاع العام , ومن جهتها تقوم
النقابات المهنية بدورها في اشتراط اجتياز امتحان اخلاقيات المهنة كشرط مسبق لقبول الخريجين في عضوية
النقابة المعنية وقبل ممارسة المهنة. وهذا ما نحن بأشد الحاجة له لنتمكن من تأسيس ارضية صلبة لمكافحة
الفساد بمختلف اشكاله.