من يتعمق في شخصية الجنرال معروف البخيت ، ويراقب تدرج مسيرته السياسية يجد انه أمام شخصيتين منفردتين ، لا تلتقيان،وهما معروف البخيت رئيس الوزراء ، الهادئ، كثير صمت ، البطيء في قراراته، المشجع لأي قرار حكومي يخدم الدولة على حساب الحرية ، المطيع للعقل الأمني.المتأثر جدا بتاريخه العسكري وإصباغ عمله الحكومي ، بنفس النهج العسكري .

وفي الشخصية الأخرى معروف البخيت الإنسان الذي تعرفنا عليه جيدا في الأعوام 2008 إلى 2011 وهو المتحرك سياسيا المتربص بأي تعدي على الهدوء الأردني والمتفاعل مع المتسجدات السياسية ، الرافض للأخطاء الحكومية الكبيرة.

   يجب الفصل بين هاتين الشخصيتين حتى نصل إلى فهم الرئيس، ونقيم حكومتيه لأنه بشخصيتيه يمثل مسارين مهمين لنمط القيادات السياسية في الأردن، ومنهما نخرج بإجابة مبسطة لسر اللغز الكبير كيف حظي البخيت بثقة جلالة الملك بعد كل من ارتكبه في حكومته الأولى ؟

لا يرض أي صاحب ضمير بان يكيل للرئيس البخيت صفات سلبية، لشخصيته وتصرفاته، وما يدور من أخطاء يتعلق بفهم البخيت كانسان  و عسكري ومن ثم كسياسي، وهذا الثالوث لم ينتج شخصية وحدة بسيطة للمعروف البخيت بل شخصية مركبة تستطيع التفكك من حالاتها لتنتج حالة مختلفة عن ذي قبلها.فالرئيس لديه من الغموض أكثر مما يتركه لك لتعرفه أو تدركه لذا ظل الرئيس طوال حكومتيه صعب التحليل والتخمين.

البخيت الإنسان هو شاب من عائلة غير ارستقراطية، لم يعرف الثراء لا بشبابه ولا بكبره، قبل تسلمه رئاسة الوزراء للمرة الأولى لم يكن يملك سوى بيتا عاديا، مما يظهر عصاميته ماديا، حتى أنعمت عليه مناصبه الأخرى بتحسين المعيشة،  ويظهر انه مخلص سياسيا للوطن، بشكل كبير وأتوقع انه يقضي الليل وهو يفكر في الحراك السياسي .وذلك بعدم انشغاله بأي مصالح مالية.

طالما أننا نتفق بان الرئيس لم يسبح يوما بمستنقع الفساد فيجب إنصافه ورفعه عن طبقة المسؤولين الفاسدين، أصحاب ثراء المناصب، وهذا يجعلنا نتجه إلى تحليل معضلات ، السياسية ، والمصائب الحكومية التي علقت به ، وطالما اتفقنا على عدم فساده فيجب أن ندور بعمق قبل إلصاق أيا من الشوائب التي لاحقته .

ولكن لا يجوز في المقابل أن نغفل عن وجود دور للبخيت في تمرير تلك الفضائح التي لاحقت حكومتيه الأولى والثانية، وحتى لو كنت أنا أول الجازمين بان كل الذي لاحقه لم يكن عن قصد منه، ويبقى أيضا صاحب أخطاء تكتيكية سياسية قاتلة تفسد عليه نزاهته، وأود الإشارة أن أول متابعتي الحثيثة للسياسية المحلية كانت مع حكومة البخيت الأولى لذا قد اكون كتبت في وقتها بأكثر القضايا التي واجهته.

إنسانيا لا يعرف البخيت معنى الثأر لنفسه، وهو ليس من المسؤولين الحاقدين، الذين يمكرون لمن هاجمهم، ويسعى إلى البحث عن وسائل انتقام لكل من تجاوز حدوده كما فعل الرئيس سمير الرفاعي مثلا، ولكن عيب البخيت الرئيسي هو قبوله ليكون وجه حكومات الظل واقصد العقل الأمني فاستجابة الرئيس للتفكير الامني سريعة جدا، ويكاد لا يفكر حتى بالاعتراض عليها وكأني أود تقيمه بقائمة رؤساء الوزراء ذوي التدخل السريع.

عندما نود قراءة البخيت سياسيا واقصد الفترة التي لم يكن بها عسكريا ولا سفيرا ولا مسؤول حكومي تجد البخيت بشقه الإنساني والسياسي، فتجده يتابع باهتمام، ويراقب محدثات الحكومات، ويتابع حتى الدقائق، وسرعان ما ينبه لنبض غضب الشارع، وأكثر المنزعجين لأي تدخل دفاعي إعلامي عن أخطاء الحكومات.

كسفير أردني في إسرائيل تعطي هذه الفترة بعدين له فلم ينغمس الرجل ، بأي تأثير للفكر الإسرائيلي ويبدوا واضحا انه لم يتشبع او يختلط مع إسرائيل من الداخل، فالرجل حافظ على رؤيته بان إسرائيل عدو ومحتل، ولكنه ظل متمسك بان هذا العدو قوي ، ومن عقل عسكري ومستشار في المخابرات حافظ على التعامل بحذر مع هذه العدو الذي يفهم قوته من رؤية عسكرية ومخابرتيه، لذا لا نجد أي ذكر له في الأقلام الإسرائيلية سياسيا أو إعلاميا، مما يدل على انه كان متحفظا بها.

البخيت يدخل حكومته دوما بثقة شعبية ، وحتى في الثانية فقد كان يصفق بمدرجات مجلس النواب بعد تصويت أي نائب له بعكس ما حدث مع الرفاعي، وله صداقات سياسية وإعلامية تعطيه فترة طويلة من حكومته يتجنب بها حجارة النقد، وفي كلتا الحكومتين ، تبدأ حكومته في تحمل موجات الغضب الشعبية والسياسية التي تهز حجارة الدوار الرابع.

حكومة البخيت حاليا فشلت سياسيا شعبيا وقرأت أن نصائح للقصر خرجت من مجلس الأعيان والديوان الملكي تشير إلى انتهاء فاعلية حكومة البخيت، وان مواجهته مع مجلس النواب سوف تزيد الخناق، والرجل لم يظهر عليه أي اشتراك متعمد في كل مصائب الحكومتين ، ولكن تعامله مع ما وراء ونتائج الإحداث تضعه في هذه الأزمات الخانقة.

فتزوير الانتخابات بم يتم بقصد منه، ولكن سكوته وطاعته لأخطاء الجنرال محمد الذهبي في الفترة التي فصلت شهر تموز وتشرين ثاني من عام 2007 وهي المسافة الزمنية بين انتخابات البلدية فاضحة التزوير وانتخابات مجلس النواب جعلته يتحمل جريمة غيره دون أن يدافع عن براءته من تزوريها أو يضع اللوم على غيره.

سكوته في حكومته الاولى على عثرات وزرائه وخاصة الصحة والداخلية والتربية، جعله يتحمل لوم حكومة البخيت وليس الوزراء، وحتى قضية الكازينو التي حرفت نتائجها وخرج البخيت للأسف بعد أربع سنوات ليقول لا خسارة من إلغاء اتفاقية الكازنيو على الشارع الأردني.

حاليا بعد استقالة ثلاثة رؤساء وزراء من حكومة البخيت، وفشل البخيت في تعامله مع قضية بسيطة مثل إخراج رجل الإعمال خالد شاهين لتلقي العلاج   تضخيم وتسويف القصة، وما تبعها من استقالات لأهم وزراءه ثم مفاجئته للساحة السياسية بوج نفسه لتمرير قوانين مجحفة للحريات منها مكافحة الفساد وقانون المطبوعات والنشر يضعانه في ازمة حقيقية تغلق الابواب أم قبوله لتغير حكومي بقدر ابتعاده عن ساحة الرئاسة.

Omar_shaheen78@yahoo.com