في مثل هذا الوقت من العام الماضي، لم يكن أحد من القوى الاجتماعية أو السياسية المحلية لديه تحفظات أو رفض للمشروع النووي الأردني، بينما كانت المعركة الخارجية قد وصلت أوجها بعد الرفض الإسرائيلي، الذي تم التعبير عنه عمليا، لأي محاولة لبناء قدرات نووية وطنية أردنية، بل وصل الأمر إلى اشتراط استيراد تكنولوجيا إسرائيلية، وفرض وصاية إسرائيلية على هذا المشروع. تزامن ذلك واستؤنف أيضا بالعراقيل التي وضعتها الإدارة الأميركية، والعداء العلني الذي مارسته بعض أطراف تلك الإدارة للمشروع الأردني.
جاءت الحوادث الطبيعية التي ضربت اليابان (سلسلة الزلازل والإعصار)، والأضرار التي ألحقتها بالمفاعلات النووية اليابانية، لتقدم أفضل هدية لأعداء المشروع الأردني. صحيح أن حوادث اليابان دفعت العديد من دول العالم النووية إلى مراجعة شروط السلامة والأمان، والتفكير بأجيال جديدة من المفاعلات، لكننا لم نسمع عن دولة نووية أعلنت إلغاء هذا الخيار الاستراتيجي وتفكيك منشآتها النووية، ما عدا بعض الدعاية السياسية التي وظفت هذه الحادثة وقصدت تخويف الدول الطامحة إلى امتلاك هذا الخيار الاستراتيجي.
أردنيا، كان من الواضح، وقبيل الحادثة اليابانية، وجود رغبة خارجية في نقل المعركة ضد بناء قدرات أردنية في مجال الطاقة النووية السلمية إلى الداخل، حيث بني خطاب دعائي مضاد على قصة الطاقة المتجددة، الشمس والرياح، ووصل الأمر إلى تدفق المزيد من المنح الدولية لمنظمات وشركات وجهات شبه رسمية تحت عناوين الطاقة المتجددة، والمصحوبة بجدول شروط مضادة للخيار النووي.
للأسف، اليوم تقع في حبائل هذه اللعبة السياسية الدولية وامتدادتها الداخلية قوى وطنية لا شك في انتمائها، ووصل الأمر إلى كتلة واسعة من مجلس النواب، فيما تهدف الحملة التي نجحت عمليا في فرملة التقدم في المشروع إلى تحويل رفض المشروع إلى قضية رأي عام.
ترفض الولايات المتحدة التخصيب المحلي لليورانيوم تحت ضغوط إسرائيلية واسعة ومتعددة المداخل، ما يحرم البلاد من هذا المورد، حيث يحتل الأردن الترتيب الحادي عشر بين دول العالم في احتياطي هذا المورد الاستراتيجي.
لا يمكن للغرب أن يستمر في استراتيجية المنع والملاحقة لمشاريع الطاقة النووية في جنوب العالم وشرقه، بل هو في أمس الحاجة للوصول إلى نماذج مقنعة في بناء الثقة، وهذا ما هو مفترض من دولة بمكانة الأردن ودورها وتاريخها وخبراتها الطويلة في الحرص على السلم والأمن الدوليين أن تفعله، وأن تستثمره من خلال خطاب سياسي واستراتيجي موجه للغرب ومراكز صنع القرار والتأثير.
في المقابل، فإن استمرار الولايات المتحدة بالتطرف، والإصرار على فرض شرط التخصيب الخارجي لليورانيوم، أو فرض الوصاية الإسرائيلية على المشروع النووي الأردني تحت عناوين التعاون المشترك، ستؤدي إلى الوصول لنتيجة مفادها أن لا فرق بين الأردن وإيران أو كوريا الشمالية، ولا فرق بين القيم السياسية التي دشنها الأردن على مدى تسعة عقود من ممارسة السياسة والاستراتيجيا العقلانية، في بيئة تاريخية مشتعلة، وبين التطرف والإرهاب وسياسات التعصب وتخصيب العنف.
هذه الحقائق المطلوب من النخب السياسية الأردنية والنظام الإعلامي أن يوصلها إلى الرأي العام، لا الاختباء حول الأضرار البيئية والبدائل التي لا توفر خيارات استراتيجية جادة للطاقة، وهنا يكمن معنى السيادة وبناء الخيارات والقدرات الوطنية.